٥ - نلاحظ أن المجموعتين السابقتين ختمتا بذكر أولي الألباب، ونلاحظ أن المجموعة الثالثة القادمة قد ختمت بقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ممّا يوضّح أنّ المجموعات الثلاث الأولى في المقطع تعرّفنا على نفسها من خاتمتها فلنر المجموعة الثالثة.
[تفسير المجموعة الثالثة]
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ أي: وجب عليه كَلِمَةُ الْعَذابِ أي: أن يعذبه الله أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ أي: أفأنت تنقذه؟ أي: لا يقدر أحد أن ينقذ من أضلّه الله، وسبق في علمه أنّه من أهل النّار، قال ابن كثير: يقول تعالى: أفمن كتب الله أنّه شقي تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال أو الهلاك؟ أي: لا يهديه أحد من بعد الله، لأنه من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده فلا مضلّ له،
ثم أخبر تعالى عن عباده السعداء وما أعدّ لهم فقال: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ أي: لهم منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع، فللكفار ظلل من النار، وللمتقين غرف مَبْنِيَّةٌ قال ابن كثير: طباق فوق طباق، مبنيات محكمات مزخرفات عاليات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قال ابن كثير: أي: تسلك الأنهار خلال ذلك كما يشاءون، وأين أرادوا وَعْدَ اللَّهِ أي: هذا الذي ذكره وعد وعده الله عباده المؤمنين لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ فهو وعد كائن لا محالة
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر، قال ابن كثير: يخبر تعالى أن أصل الماء في الأرض من السماء، وفي هذا الذي ذكره ابن كثير معنى كبير سنراه في الفوائد فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ أي: فأدخله عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد، أي: فإذا أنزل الماء من السماء كمن في الأرض، ثم يصرّفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء، وينبعه عيونا ما بين صغار وكبار بحسب الحاجة إليها ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ أي: بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي: هيئاته من خضرة، وحمرة، وصفرة، وبياض، وأصنافه من برّ، وشعير، وسمسم، وغير ذلك ثُمَّ يَهِيجُ أي: ثم يجفّ فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد نضارته وحسنه، قال ابن كثير: أي: بعد نضارته وشبابه يكتهل فتراه مصفرا قد خالطه اليبس ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أي: فتاتا متكسّرا، أي: ثم يعود يابسا يتحطم إِنَّ فِي