باستدراجي لهم من حيث لا يعلمون فسمي جزاء الكيد كيدا كما سمي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة، وإن لم يكن اعتداء وسيئة، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ قال النسفي: أي:
لا تدع بهلاكهم، ولا تستعجل به، وقال ابن كثير: أي أنظرهم ولا تستعجل لهم أَمْهِلْهُمْ قال النسفي: (أي: أنظرهم فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير رُوَيْداً أي: مهلا يسيرا. قال ابن كثير: (أي: قليلا أي: وسترى ماذا أحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك).
[كلمة في السياق]
تأتي الآيات الأخيرة عارضة حال الكافرين الذين بدلا من أن يؤمنوا ويعملوا يكيدون، وبالتأمل في هذا المعنى ندرك صلة الآيات الأخيرة بما قبلها. إذا علمت هذا تدرك أن السورة سيقت لتصب في المعنى الأخير الذي له صلة بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. إن صلة الآيات الأخيرة بهاتين الآيتين واضحة، فالكافرون بدلا من أن يتعظوا بالإنذار يكيدون، والموقف المقابل لذلك هو إمهالهم لينتقم الله منهم. وهكذا نجد أن السورة فصلت في مقدمة سورة البقرة نوع تفصيل، مع احتفاظها بسياقها الخاص، وصلاتها بما قبلها وما بعدها، وذكرها جديدا من مثل قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ومن مثل قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ .. وقد رأينا أن للطارق وللرجع معاني معاصرة تدخل فيها دون تكلف، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن الذي لا تنتهي عجائبه.
[الفوائد]
١ - قدم ابن كثير للكلام عن سورة الطارق بقوله: (روى عبد الله بن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي جبل العدواني عن أبيه أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصى حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها، قال: فوعيتها في الجاهلية، وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا