١ - بعد إنذار الكافرين جاءت هاتان الآيتان لتبشّر المؤمنين وتلك سنّة من سنن هذا القرآن.
٢ - من الملاحظ أن المنحى الرئيسي للسورة هو الكلام عن حكمة هذا القرآن.
وقد استقرت الآيتان على الحكمة إذ ختمت بقوله تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ومن ثمّ نجد الآن الآيات اللاحقة تتحدث عما يبرهن على حكمة الله الذي أنزل هذا القرآن وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ... فالآيتان كانتا جسرا للعودة إلى الكلام عن الحكمة الموجودة بهذا القرآن من خلال الكلام عن حكمة الله منزّل هذا القرآن.
ولنعد إلى التفسير:
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال الحسن وقتادة: ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية. وعلى هذا القول فالله عزّ وجل يلفت النظر إلى إمساك السموات بقدرته. وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: لها عمد لا ترونها، وعلى هذا القول فالإشارة إلى العمد غير المرئية إشارة إلى قانون الجاذبية. وعلى هذا القول أيضا فالله عزّ وجل يلفت النظر إلى إمساك السموات بقدرته؛ وذلك من مظاهر عزّته وحكمته وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جبالا ثابتات أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي كيلا تضطرب الأرض بكم، وهذا شئ أعطاه العلم في عصرنا معناه الواسع؛ إذ تبيّن للعلماء أنّه لولا الجبال لكانت القشرة الأرضية معرّضة للتّشققات الكثيرة، والزلازل الكثيرة، وبالتالي تتعذّر الحياة وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ قال ابن كثير:(أي وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها) وفي هذا والذي قبله مظاهر تدل على حكمة الله وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي صنف كَرِيمٍ أي حسن المنظر. وفي ذلك مظهر من مظاهر حكمته
هذا إشارة إلى ما ذكره في الآية السابقة من مخلوقاته عزّ وجل خَلْقُ اللَّهِ أي مخلوقه فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد. قال النسفي:(بكّتهم بأنّ هذه الأشياء العظيمة ممّا خلقه الله، فأروني ما خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة) بَلِ الظَّالِمُونَ يعني المشركين بالله، العابدين معه غيره فِي ضَلالٍ أي جهل وعمى مُبِينٍ أي واضح ظاهر