للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كفرتم به، فهو الذي يتولى عقابكم وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي فلا تقدرون على الهروب منه فإنه لا يعجزه شئ

وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ أي يضلكم والتقدير: إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم، أي لا شئ يجدي معكم بإبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي، إذا كان الله مريدا إغواءكم ودماركم؛ بسبب من ظلمكم وكبركم هُوَ رَبُّكُمْ فيتصرف فيكم؛ لأنه مالك أزمة الأمور، المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجور، له الخلق وله الأمر وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على أعمالكم فهو المبدئ المعيد، مالك الدنيا والآخرة، وهكذا تقابل الحجة بالحجة. والموقف يقابل بموقف، والحسم يقابل بحسم.

فإذا وصلت قصة نوح إلى هذا تأتي الآن آية معترضة تتحدث عن قوم محمد صلى الله عليه وسلم، وكلامهم والجواب عليهم بما يناسب السياق، ومجئ هذه الآية هنا مذكر بأن القصة هنا هادفة، في التوجيه والإرشاد، ولفت النظر والتمثيل، بما يناسب الدعوة الجديدة، وبما يخدم سياق السورة بشكل عام. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي بل يقولون:

اختلقه، أي بل يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي إن صح أني افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ أي وأنا برئ من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي، أي ليس ذلك مفتعلا ولا مفترى، لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه. قال ابن كثير في هذه الآية: (هذا كلام معترض في وسط القصة مؤكد لها ... ) أقول: قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية ليست معترضة بل هي جزء من الحوار بين نوح عليه السلام وقومه، والمقام محتمل. ثم يعود السياق.

فبعد أن تبينت المواقف قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ هذا تقنيط من الله لنوح عليه السلام من إيمانهم، وأنه غير متوقع فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ أي فلا تحزن عليهم، ولا يهمنك أمرهم، وأصل المعنى: فلا تحزن حزن بائس مستكين بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك، فقد حان وقت الانتقام من أعدائك

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ أي السفينة بِأَعْيُنِنا قال ابن كثير: (بمرأى منا) أقول: في ذلك تطمين له من أن يزيغ في صنعته عن الصواب وَوَحْيِنا أي وإنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع، أي وتعليمنا لك ما تصنعه وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي ولا تدعني في شأن قومك، واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك إِنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>