للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

قُلْ يا محمد لهؤلاء المعرضين القائلين: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ أَرَأَيْتُمْ أي: أخبروني إِنْ كانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ثم جحدتم أنه من عند الله كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله صلّى الله عليه وسلم، ولهذا قال مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ .. أي: من أضل؟ وصفهم أنّهم في شقاق بعيد، واستغنى بذكر صفتهم هذه عن توجيه الخطاب المباشر لهم، والمعنى: من أضل منكم أنتم يا أصحاب الشقاق البعيد .. أي: يا أصحاب الكفر والعناد والمشاقة للحق، ويا أصحاب المسلك البعيد عن الهدى،

ثم أكّد الله عزّ وجلّ أنّ هذا القرآن من عنده فقال: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ. قال ابن كثير: أي: ستظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزّلا من عند الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم بدلائل خارجية في الآفاق .. وَفِي أَنْفُسِهِمْ قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركّب منه، وفيه، وعليه من الموادّ والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدالّ على حكمة الصانع تبارك وتعالى. وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبيح وغير ذلك، وما هو متصرّف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله وقوّته وحيله، وحذّره أن يجوزها ولا يتعداها حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ قال النسفي: أي: القرآن أو الإسلام الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. أي: كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم، وهو يشهد أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه. قال النسفي: تقديره: أو لم يكفهم أن ربك على كل شئ شهيد. أي: أو لم تكفهم شهادة ربك على كل شئ، ومعناه: أنّ هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه، فيتبيّنون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شئ شهيد. أقول: وفي كتابنا (الرسول) صلّى الله عليه وسلم ذكرنا كيف أن الله عزّ وجلّ أنجز وعده. فأرى الإنسان في الآفاق وفي الأنفس البشرية ما هو مصدّق لما في القرآن، حتى إن الإنسان إذا رأى ذلك، ورأى ما ورد في القرآن في أمره، أيقن أن هذا القرآن من عند الله عزّ وجل، وقد ضربنا على ذلك أمثلة كثيرة، ومن قرأ هذا التفسير، أو ذلك البحث رأى هذا بشكل واضح، فكيف يكفر كافر بالله وبالقرآن؟ ثمّ ختم الله عزّ وجلّ السورة بقوله

أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ أي: في شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ قال ابن كثير: أي: في شك من قيام الساعة، ولهذا لا يتفكرون فيه، ولا يعملون له،

<<  <  ج: ص:  >  >>