وليتصرفوا مع من هم تحت رعايتهم على ضوئه. فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ في هذا الشأن، وليخافوا انتقامه. وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً. أي: قولا مسددا يليق بالمقام، والقول السديد من الأوصياء، أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب، ويدعوهم بيا بني، ويا ولدي، فالآية إذن أدبت الأولياء والأوصياء أن يعاملوا من تحت رعايتهم معاملتهم لأولادهم.
ثم عاد المقطع إلى موضوع أكل أموال اليتامى، مهددا بعد هذه الاستجاشة لعواطف الرحمة الإنسانية فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً. أي: يأكلونها ظالمين إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ.
أي: ملأها ناراً لأنهم أكلوا ما يجر إلى النار بأكلهم الحقوق، فاستحقت بطونهم التعذيب من لحظة بعثهم يوم القيامة. وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. أي: وسيدخلون نارا يعذبون فيها؛ وأبهمت النار هنا لتعظيم ما سيعذبون به، ولبيان عظيم جرمهم فيما أتوه.
[فوائد]
١ - في آية وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى .. ثلاثة أقوال، القول الأول فيها: أنها محكمة وهي على ظاهرها، وأنها للندب، ندبت إلى ذلك الورثة تطييبا لخواطر غير الورثة من القرابات، وخواطر الفقراء واليتامى، وذهب إلى ذلك خلق كثير. والقول الثاني: أنها محكمة ولكن هي في الوصية، فكأن الآية تندب الميت إلى أن يوصي لهذه الطبقات، فإذا مات وزع ما أوصى الميت على أصحابه ممن ذكرهم الله، ويندب للميت أن يقدمهم على غيرهم. والقول الثالث: أن الآية منسوخة نسختها آيات المواريث بعدها. ولا شك أن الواجب في التركة هو ما ذكرته آيات المواريث والوصية. فمن أراد أن يفهم الأمر في الآية على الوجوب فلا شك أنه ليس أمامه إلا أن يقول بالنسخ، وأن تكون الآية في الوصية ففيه صرف للآية عن ظاهرها.
وما يتفق مع السياق قبل وبعد: هو أن نحمل الأمر في الآية على الندب، وهذا لا يعارض ما بعده، مع ملاحظة أن الإنفاق في هذه الحالة مقيد برضى الورثة جميعا، وأن يكون الورثة ممن يملكون حق التبرع. أما إذا كان الورثة صغارا، فلا يحق لأحد أن يتبرع عنهم، أو إذا كان في الورثة صغار، فللكبار أن ينفقوا من أنصبائهم لا من نصيب الصغار. ونحب هنا أن نذكر أن كلا من الأقوال الثلاثة في فهم الآية منسوب لابن عباس مع وجود غيره معه فيه.