بعد أن بين الله عزّ وجل أهمية الإيمان بالآخرة، حتى إنه لا تكون صلاة وزكاة وإيمان بدونه، وحتى لا يكون اهتداء بالقرآن ولا استبشار بما فيه بدون ذلك، بعد هذا ذكر حال الذين لا يؤمنون بالآخرة فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أى يكذبون بها ويستبعدون وقوعها زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي حسنا لهم ما هم فيه فساروا وراء شهوات الدنيا على أنها هي الهدف وحدها، ورأوا ذلك حسنا فَهُمْ يَعْمَهُونَ أي فهم يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق. قال ابن كثير:(أي حسنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم، فهم يتيهون في ضلالهم وكأن هذا جزاء على ما كذبوا من الدار (الآخرة) أقول: ومن آثار التزيين ما نراه في عصرنا من ثناء الملحدين على أنفسهم، واحتقار غيرهم، بما يطلقونه على أنفسهم من ألقاب، وغيرهم رجعيون خونة، أعداء للتقدم إلى آخر ما يطلقونه على غيرهم من ألقاب
أُوْلئِكَ أي الذين لا يؤمنون بالآخرة الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ في الدنيا والآخرة وهذا أكثر ما يكون وضوحا في المجتمعات التي تبنت الكفر باليوم الآخر، كالمجتمعات الشيوعية، فإنك لا تجد أبأس من الإنسان فيها، وهذا نوع من العذاب، وأنواع العذاب التي تصيب هؤلاء في الدنيا كثيرة. فالقلق عذاب، وانقباض القلب عذاب، وعقوبات الفطرة عذاب، وغير ذلك كثير: وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر، فهم أشد الناس خسرانا وخاصة كفار هذه الأمة، لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم، فخسروا ذلك، مع خسران النجاة وثواب الله. وبهذا انتهى عرض خصائص المهتدين المستبشرين بهذا القرآن، كما عرضت صفات الذين لا يؤمنون بالآخرة، ثم يعود السياق إلى الكلام عن القرآن:
وَإِنَّكَ يا محمد لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ أي لتؤتاه وتلقنه مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ قال ابن كثير: أي من عند حكيم عليم، أي حكيم في أمره ونهيه، عليم بالأمور جليلها وحقيرها. فخبره هو الصدق المحض وحكمه هو العدل التام، قال النسفي في محل هذه الآية من السياق:(وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه).
وأول ما يأتي بعد هذه الآية قصة موسى عليه السلام، وفيها نموذج على تلقي المرسلين