يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد إليهم رحمته. أقول: أو فما لهم لا يتوبون ويرجعون إلى الله، ويثقون بالله في الشدة، ويشكرونه في الرخاء، والله هو القابض الباسط إِنَّ فِي ذلِكَ في البسط والقبض لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وهكذا أقامت الآيات الحجة على الشرك من خلال توحيد الإنسان لله في الشدة. ومن خلال عدم إعطاء الله سلطانا لأحد في الشرك، ومن خلال طبيعة الإنسان التي لا يواتيها إلا التوحيد، ومن خلال ظاهرتي القبض والبسط في الرزق.
[كلمة في السياق]
من إقامة الحجة على المشركين بالتوحيد يصل السياق في الآيات الآتية إلى الأمر بالإنفاق. وقد كان الجسر الذي عبر عليه السياق من التوحيد إلى الإنفاق هو آية أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ فما دام الله هو الباسط القابض؛ فأنفقوا في سبيله، وما دام الله هو المنعم؛ فأنفقوا في سبيله.
...
فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أي اعط قريبك حقه من البرّ والصّلة وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ أي اعطهما نصيبهما من الصدقة، وابن السبيل هو المسافر المحتاج إلى نفقته وما يحتاج إليه في سفره ذلِكَ إيتاء هؤلاء حقوقهم خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي يقصدون بمعروفهم إياه وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في الدنيا والآخرة.
[كلمة في السياق]
جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ثم جاء قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ثم جاء قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
وقد رأينا أن سياق سورة الروم فصّل في قضية الإيمان بالله واليوم الآخر. ثم أمر بالصلاة. ثم فصّل في التوحيد. ثم أمر بالإنفاق بعد أن علل للأمر به وختم الآية بقوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فهذه هي نفس الخاتمة التي ختمت بها الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة. ثم تأتي الآن آية أخيرة في المجموعة الأخيرة، وفي المقطع