للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليست بفصيحة، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة. وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة. وكم من فرق بين قوله تعالى اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ إلى آخرها، وبين قول مسيلمة- قبحه الله ولعنه-: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين. وقوله- قبحه الله-: لقد أنعم الله على الحبلى، إذا أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفان وحشى. وقوله- خلده الله في نار جهنم وقد فعل-: الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذلقوم طويل. وقولة- أبعده الله من رحمته-:

والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، واللاقحات لقما، إهالة وسمنا، إن قريشا قوم يعتدون ... إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يتلفظوا بها إلا على وجه السخرية والاستهزاء، ولهذا أرغم الله أنفه، وشرب يوم حديقة الموت (١) حتفه، ومزق شمله، ولعنه صحبه وأهله، وقدموا على الصديق تائبين، وجاءوا في دين الله راغبين، فسألهم الصديق خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرءوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة- لعنه الله- فسألوه أن يعفيهم من ذلك، فأبى عليهم إلا أن تقرءوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم. فقرءوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه، فلما فرغوا، قال لهم الصديق رضي الله عنه: ويحكم؟ أين كان يذهب بعقولكم؟ والله إن هذا لم يخرج من إل (٢). وذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة- وكان صديقا له في الجاهلية. وكان عمرو بن العاص لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو ماذا أنزل على صاحبكم؟ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة فقال: لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة، فقال: وما هي؟ فقال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ .... إلى آخر السورة ففكر مسيلمة ساعة ثم قال: وأنا قد أنزل علي مثله، فقال: وما هو؟ فقال: يا وبر (٣)، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر، كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: الله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. فإذا كان هذا من مشرك في حال شركة لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه، وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه، فكيف بأولي البصائر والنهى، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة

والحجى) اهـ

فإذا ثبت أن عجب الكافرين من أن ينزل الله وحيا، ويرسل رسولا في غير محله، يمضي السياق الآن في المجموعة الثالثة ليعجب من مواقف هؤلاء الكافرين وأقوالهم،


(١) حديقة الموت: اسم البستان الذي قتل فيه في حرب اليمامة.
(٢) أي من ربوبية أي غير صادر عن الله عزّ وجل
(٣) الوبر: دويبة صغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>