قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ، تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ؟ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:
(ضرب هذا المثل لمن كانوا يتخذون من دون الله شركاء خلقا من خلقه: جنا أو ملائكة أو أصناما أو أشجارا. وهم لا يرتضون أن يشاركهم مواليهم في شئ مما تحت أيديهم من مال. ولا يسوون عبيدهم بأنفسهم في شئ من الاعتبار. فيبدو أمرهم عجبا. يجعلون لله شركاء من عبيده وهو الخالق الرازق وحده. ويأنفون أن يجعلوا لأنفسهم من عبيدهم شركاء في مالهم. ومالهم ليس من خلقهم إنما هو من رزق الله. وهو تناقض عجيب في التصور والتقدير.
وهو يفصّل لهم هذا المثل خطوة خطوة ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ليس بعيدا عنكم، ولا يحتاج إلى رحلة أو نقلة لملاحظته وتدبره هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ؟. وهم لا يرضون أن يشاركهم ما ملكت أيمانهم في شئ من الرزق فضلا عن أن يساووهم فيه تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ. أي تحسبون حسابهم معكم كما تحسبون حساب الشركاء الأحرار، وتخشون أن يجوروا عليكم، وتتحرجوا كذلك من الجور عليهم، لأنهم أكفاء لكم وأنداد؟ هل يقع شئ من هذا في محيطكم القريب وشأنكم الخاص؟ وإذا لم يكن شئ من هذا يقع فكيف ترضونه في حق الله وله المثل الأعلى؟
وهو مثل واضح بسيط حاسم لا مجال للجدل فيه، وهو يرتكن إلى المنطق البسيط وإلى العقل المستقيم: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
[كلمة في السياق]
رأينا أن السياق قد سار حتى استقر على إقامة الحجة على الشرك بعد أن عرّف على الله، وأقام الأدلة على أن اليوم الآخر حق، وإذا استقر هذا كله يأتي الآن التوجيه بوجوب إقامة الوجه لدين الله وحده.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين الحق، أي فقوّم وجهك له، وعدّله غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا. قال النسفي: وهو تمثيل