توصل هاتان الآيتان إلى مجموعة تبدأ بالآية (٢٢٨): وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ .... إلى نهاية الآية (٢٣٣) أي إلى نهاية آية: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ...
وفي هذه المجموعة كلام عن الطلاق. وعدة المطلقة، وغير ذلك. وكل ذلك يأتي ضمن السياق الذي يدعو إلى الدخول بشرائع الإسلام عامة. وقد رأينا الصلة المباشرة بين هذه المجموعة، وما قبلها مباشرة. ولنبدأ بشرح المجموعة وتفسيرها شيئا فشيئا:
هذا أمر من الله سبحانه للمطلقات المدخول بهن من ذوي الأقراء، بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. أي تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء، ثم تتزوج إن شاءت. وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العموم، الأمة إذا طلقت فإنها تعتد عندهم قرءين لأنها على النصف من الحرة. والقرء لا يتبعض، فكمل لها قرءان.
ولما كانت الثلاثة قروء متعلقة بالحيض، ولا يعرف إلا من جهتها، ولما كانت من جملة الحكم في القروء، استبراء الرحم من الحمل، ولا يعرف إلا من جهتها فقد حرم الله على المرأة أن تكتم الحق في أمر الحيض والحبل استعجالا منها لانقضاء العدة، أو رغبة منها في تطويلها لما لها في ذلك من المقاصد. فأمرت أن تخبر بالحق في ذلك من غير زيادة ولا نقصان: ثم بين الله عزّ وجل أن زوجها الذي طلقها أحق بردها ما دامت في عدتها إذا كان مرادا- بردها- الإصلاح والخير. وهذا في الرجعيات. وأما المطلقات البوائن فسيأتي حكمهن بعد. ثم بين الله عزّ وجل أن للنساء من الحق على الرجال مثل ما للرجال عليهن. فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف. ولكن للرجال عليهن درجة زائدة في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح. ويفسر هذه الدرجة قوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ. ثم بين الله أنه عزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره، حكيم في أمره، وشرعه، وقدره.