قلنا إن محور سورة التحريم هو محور سورة المائدة أي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لاحظ أن سورة المائدة يرد فيها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ... لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وهذه سورة التحريم تبدأ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وتأمر سورة التحريم بالتوبة النصوح، وجهاد الكافرين والمنافقين، وصلة ذلك بنقض الميثاق، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض واضحة، والملاحظ أن آيتي سورة البقرة اللتين قلنا إنهما محور سورة التحريم تبدآن بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا وأن سورة التحريم يرد فيها قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا* وههنا نحب أن نسجل ملاحظة.
في هذه المجموعة وردت سورتان مبدوءتان ب (يا أيها)، وفي المجموعة القادمة سترد سورتان مبدوءتان ب (يا أيها) سورتا المزمل والمدثر، وفي القسم الأول من أقسام القرآن وردت سورتان مبدوءتان بقوله تعالى: يا أَيُّهَا* هما سورتا النساء والمائدة، وقلنا إن محور السورة الأولى من كل هذه السور هو يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... وقلنا إن محور السورة الثانية من كل هذه السور هو إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا والملاحظ أن سورة التحريم يرد فيها ذكر المثل بقوله تعالى:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ... * وأن سورة المدثر يرد فيها قوله تعالى: وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ لاحظ ذكر المثل ولاحظ المطابقة الحرفية بين قوله تعالى في سورة البقرة عن المثل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً أليس في وجود مثل هذه المعاني دليل على صحة ما اتجهنا إليه في فهم السياق الكلي للقرآن والوحدة القرآنية، ولنعد إلى الكلام عن سورة التحريم.