ذلك بعد الوصية أو الدين. هذه هي وصية الله لنا في شأن الميراث، وهو المحيط علما بكل شئ فهو الأعلم بما ينبغي، وهو ذو الحلم الذي يشرع لعباده التشريع الأرفق بهم.
ثم بين الله- عزّ وجل- في الآية الثالثة والرابعة: أن هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت، واحتياجهم إليه، وفقدهم له عند عدمه، هي حدود الله فلا تعتدوها، ولا تجاوزوها. ثم وعد من وقف عند حدوده بجناته، وأوعد من عصى الله ورسوله، وتعدى حدود الله بناره وإهانته، لكونه غير حكم الله، وضاد الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله، وحكم به؛ ولهذا يجازى صاحبه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم، فليسمع من يريدون أن يبدلوا أحكام الله، ويغيروا شريعته، فليسمع أصحاب الدعوات الكافرة على أرضنا ممن يريدون أن يبدلوا شرع الله بأهوائهم.
إن الآيتين الأولى والثانية، وآخر آية في سورة النساء، هما جماع علم المواريث في القرآن. ومن قرأ كتب هذا العلم أدرك كيف أن هذه الآيات أحاطت بالمسائل كلها، من خلال ما سيق له النص بشكل رئيسي، ومن خلال ما يفهم بشكل آخر من أشكال الفهم للنصوص، ومن خلال الشرح النبوي لهذه الآيات، وسيتضح لنا شئ من هذا في نهاية الكلام عن هذه الآيات الأربع. ونكتفي هنا أن نسجل أننا فهمنا بشكل واضح من النص: حصة البنات إذا انفردن، وحصة الأب والأم إذا انفردا بالإرث، وحصة الأب والأم في حالة فقدان الولد، ووجود الإخوة، وحصة الزوج والزوجة وجد ولد أو لم يوجد، وحصة الإخوة في حالة فقدان الوالد والولد.
ولن ننتهي من الكلام عن الآيات إلا وقد وضح لنا هذا العلم إن شاء الله تعالى.
[المعنى الحرفي]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ. أي: يعهد إليكم ربكم، ويأمركم في شأن ميراث أولادكم. وهذا إجمال تفصيله ما بعده. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. أي: للذكر منهم حظ الأنثيين، والمراد حال الاجتماع، أي: إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له