قال: قال أبو جهل- وهم جلوس- إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متّم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم نار تعذبون بها، وخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه فجعل يذرها على رءوسهم ويقرأ يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ حتى انتهى إلى قوله تعالى وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وانطلق رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لحاجته، وباتوا رصداء على بابه، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال مالكم؟ قالوا: ننتظر محمدا قال: وقد خرج عليكم فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا، ثم ذهب لحاجته، فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب. قال: وقد بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: «أنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحا وإني لآخذهم»).
أقول: يبدو أن هذه الحادثة كانت قبيل الهجرة.
٣ - [قولان لابن كثير حول آية وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ودليل لكل قول وتعليق عليهما]
رأينا معنى قوله تعالى: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ إذ ذكرنا أن معناها: ما أسلفوا وما هلكوا عنه من أثر حسن أو سيئ، ولم نذكر غير هذا القول.
وقد ذكر ابن كثير قولا آخر في ذلك وبعد أن ذكر القولين ودليل كلّ قال:
(وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى؛ فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى). أما وقد عرفنا أنه لا تنافي بين القولين فلنذكر القولين ودليل كلّ كما عرضهما ابن كثير، قال رحمه الله:
(وفي قوله تعالى وَآثارَهُمْ قولان (أحدهما): نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر كقوله صلّى الله عليه وسلم:«من سنّ في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ» رواه مسلم، وفيه قصة مجتابي الثمار المضربين، وأخرجه ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث بطوله ثم تلا هذه الآية وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وقد رواه مسلم من رواية أبي عوانة، وهكذا الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم عن