الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ولا يخلي وقتا من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى). وقال ابن كثير:(أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة، ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:«لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء» قال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك وفي رواية عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك. وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وابن عباس نحوه، وفي رواية عن ابن مسعود فَانْصَبْ* وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: فإذا فرغت فانصب يعني في الدعاء. وقال زيد ابن أسلم والضحاك فَإِذا فَرَغْتَ أي: من الجهاد فَانْصَبْ أي: في العبادة. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قال الثوري:
اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزّ وجل).
[كلمة أخيرة في المجموعة الثانية عشرة من قسم المفصل]
رأينا أن المجموعة الثانية عشرة قد فصلت في الأساس والطريق، فأقامت صرحا جديدا في موضوع إقامة التقوى، وتحرير الإنسان من الكفر. ففصلت في التقوى.
وما يدخل فيها، وفصلت في الكفر وما يدخل فيه، وفصلت في الطريق إلى التقوى، وحررت من الكفر وأخلاقه، فأضافت إلى المجموعات السابقة عليها معاني جديدة، وأكدت معاني مذكورة من قبل.
وقد رأينا أن كل سورة من سور القرآن فيها جديد، وهذا معنى أحببنا تركيزه ولفت النظر إليه في المجموعات الأخيرة حتى لا يفهم فاهم أن شيئا من القرآن يغني عن بقية القرآن، نعم إن كل جزء من أجزاء القرآن، وكل مجموعة من مجموعاته، تذكر بالمعاني القرآنية، كلها، فمن هذه الحيثية فكل جزء من القرآن بل السورة الواحدة منه كافية للتذكير لمن أراد أن يتذكر، ولكن القرآن بمجموعه هو الذي به كمل الدين، وهو الذي به تم تفصيل كل شئ، وبيان كل شئ، فلا يحيط الإنسان بمجموع ما يلزمه من المعاني القرآنية إلا بمجموع القرآن.