بَيْنَهُمْ أي: بين عباده والمشركين به يوم القيامة فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ دلّ على أنّ المشركين ينازعون ويفلسفون، ويجادلون ويدّعون ويبرّرون. كما دلّت الآية على أنّ الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين، أي: سيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ قال ابن كثير:(أي: لا يرشد إلى الهداية من قصد الكذب والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه.) قال النّسفي: (أي: لا يهدي من هو في علمه أنه يختار الكفر، يعني لا يوفّقه للهدى، ولا يعينه وقت اختياره الكفر، ولكنه يخذله)
أقول: دلّت الآية على أنّه إذا اجتمعت صفتا الكذب والكفران في إنسان فإنّ الله لا يلهمه الهداية، فليحذر امرؤ من صفتي الكذب والكفران
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي: لو جاز اتخاذ الولد على ما تظنون لاختار مما يخلق ما يشاء، لا ما تختارون أنتم وتشاءون، وقد أشعرتنا الآية أنّ بعضا ممّن عبدوا مع الله غيره ليتقربوا- في زعمهم- إليه، عبدوهم بعد أن خلعوا عليهم صفات البنوّة لله عزّ وجل كبعض العرب إذ قالوا: الملائكة بنات الله، والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، واليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، وقد ردّ الله هذا القول وفنّده، ثمّ نزّه ذاته سبحانه عن أن يكون له ما نسبوا إليه من الشركاء والأولاد فقال: سُبْحانَهُ أي:
تعالى وتقدّس وتنزّه عن أن يكون له ولد هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أي فإنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي كل شئ عبد لديه، فقير إليه، وهو الغني عمّا سواه، الذي قد قهر الأشياء؛ فدانت له وذلّت وخضعت، وإذ كان كذلك فقد كذب من نسب إليه الشريك والولد. قال النسفي:(يعني: أنه واحد، متبرئ عن انضمام الأعداد، متعال عن التجزؤ والأولاد، قهار غلاب لكل شئ، ومن الأشياء آلهتهم، فأنّى يكون له أولاد وشركاء.)
نقل:[عن صاحب الظلال حول آية ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى]
بمناسبة قوله تعالى على لسان المشركين: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى قال صاحب الظلال:
(فلقد كانوا يعلنون أن الله هو خالقهم وخالق السماوات والأرض .. ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق إذن بالعبادة، وفي إخلاص الدين لله بلا