للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنا في سورة الأنفال حكمه، ومن وفى بالتزاماته ولا يخشى منه غدر، وعهده إلى أجل محدد زائد على أربعة أشهر، فهذا سيأتي حكمه، وواجب في حقنا له الوفاء، ومن كان عهده مطلقا، أو كان عهده دون أربعة أشهر، فهؤلاء أعطوا فرصة أربعة أشهر- كما سنرى-، ثم لا عهد بيننا وبينهم، وإنما هو القتال. ثم المعاهدين إلى أجل متى

انتهى الأجل فليس بيننا وبينهم إلا القتال، وأما المشركون غير المعاهدون فلا سلام بيننا وبينهم، ما دمنا قادرين على قتالهم بل هو القتال حتى يحكم الله بيننا. وهل هذا خاص بمشركي العرب؟ الإجماع منعقد على أن المشرك العربي- أي غير اليهودي أو النصراني أو المجوسي- لا تقبل منه الجزية، فإما القتل وإما الإسلام. أما اليهودي أو النصراني أو المجوسي من العرب فتقبل منه الجزية، أو الإسلام، وإلا القتال. أما غير العرب فإن كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا فكذلك. أما غير هؤلاء فقد اختلف العلماء هل تقبل منهم الجزية أو هو الإسلام أو القتل؟ قولان والذي عليه العمل خلال العصور قبول الجزية من كل الناس ما سوى العرب المشركين، والجزية هي رمز الخضوع لسلطان المسلمين بالإسلام

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ السيح: هو السير على مهل، والمعنى: فسيروا في الأرض كيف شئتم أربعة أشهر، أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين لا يتعرض لهم. وهل هذه الأربعة أشهر من تاريخ الإعلام بهذا الأمر- وهو يوم النحر في عام نزول هذه السورة- أو المراد بذلك الأربعة الأشهر الحرم، والتي لم يبق منها يوم الإعلام إلا خمسون ليلة؟ قولان. رجح ابن كثير أنها من تاريخ الإعلام، وقال رادا القول الثاني: وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر، حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وإذن فقد أعطي المشركون فرصة أربعة أشهر على التفصيل الذي ذكرناه، ثم إما الاستئصال أو الإسلام وَاعْلَمُوا أي أيها المشركون أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي لا تفوتونه وإن أمهلكم وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ أي مذلهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالعذاب

وَأَذانٌ أي وإعلام مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أي يوم عرفة، لأن الوقوف بعرفة معظم أفعال الحج أو يوم النحر، لأن فيه تمام الحج من الطواف والنحر والحلق والرمي، ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ أي ورسوله برئ منهم، في الآية الأولى من السورة: إخبار بثبوت البراءة، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت، وإنما علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين، وعلق الأذان بالناس؛ لأن البراءة مختصة

<<  <  ج: ص:  >  >>