وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: سمعت ابن عمير وغيره يقولون: كان أبو جهل يعذب عمار بن ياسر وأمه، ويجعل على عمار درعا من حديد في اليوم الصائف، وطعن في فرج أمه برمح، ففي ذلك نزلت أَحَسِبَ النَّاسُ الخ، وقيل:
نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب قتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، وقال فيه رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم:«سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة»، وقيل: نزلت في عياش أخي أبي جهل، غدر وعذب ليرتد كما سيأتي خبره إن شاء الله تعالى، وفسر الناس بمن نزلت فيهم الآية، وقال الحسن: الناس هنا المنافقون).
٣ - [كلام صاحب الظلال حول آيات مقدمة السورة]
وفي آيات المقدّمة قال صاحب الظلال:
(إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا.
وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به- وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه- وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه:
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم. وهو فضل من الله من جانب، وعدل من جانب، وتربية للناس من جانب، فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره، وبما حققه فعله. فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!.
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين.
إن الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص. وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة، وعلى