أجناس ثمرات الدنيا وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله، وإنما كانت ثمار الجنة مثل ثمار الدنيا، ولم تكن أجناسا أخرى لأن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، وإذا رأى فيه مزية ظاهرة وتفاوتا بينا كان تعجبه أكثر واستغرابه أوفر. وقوله تعالى مِنْ قَبْلُ أى من قبل ذلك مما رزقوه في الدنيا والآخرة وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا في المنظر والطعم مختلف وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ من مساوئ الأخلاق، ومما يختص بالنساء في الدنيا من حيض واستحاضة، ومما لا يختص بالمرأة من البول والغائط وسائر الأقذار والأدناس، ومطهرة أبلغ من طاهرة لأنها تكون للتكثير وفيها إشعار بأن مطهرا طهرهن وما ذلك إلا الله وَهُمْ فِيها خالِدُونَ الخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع، فالجنة باقية ولكنها مخلوقة، وهي باقية بإبقاء الله، والله باق وبقاؤه واجب وليس لوجوده ابتداء فهو الأول.
عن ابن عباس قال: لا يشبه شئ مما في الجنة ما في الدنيا إلا الأسماء «وفي رواية:
ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء» وعن ابن مسعود في قوله تعالى وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً قال: في اللون والمرأى وليس يشتبه في الطعم، وقال يحيى بن كثير فيها:
يؤتى أحدهم بالصحفة من الشئ فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل فتقول الملائكة: كل فاللون واحد والطعم مختلف، وقال مجاهد في تفسير قوله تعالى وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد .. نسأل الله أن يجعلنا من أهل جنته وأن يقينا ناره.
[كلمة في السياق]
- قسمت مقدمة سورة البقرة الناس إلى ثلاثة أقسام ثم جاءت الآيتان التاليتان للمقدمة تدعوان الناس إلى أن يكونوا من المتقين بسلوك طريق ذلك، فأقامتا الحجة عليهم بلزوم السير في هذا الطريق من خلال ظاهرتي الخلق والعناية، ثم في الآية اللاحقة أقامت عليهم الحجة في أن هذا القرآن من عند الله، فأكملت الحجة على ضرورة السير ليكون الإنسان من المتقين، ويلاحظ أن بداية سورة البقرة كانت: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ وأن هاهنا قد جاء قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فههنا يأتي الدليل على أن القرآن لا ريب فيه، ويأتي الدليل الملزم على وجوب الإيمان بالوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهي إحدى النقاط المذكورة في المقدمة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ.
- وفي المقدمة ذكرت الآيات استحقاق الكافرين للعذاب، واستحقاق المنافقين