عبدوهم من الملائكة وعزير وعيسى أمدا بعيدا، لأن الكافرين في قعر جهنم، وهم في أعلى الجنان: فتكون المجموعة على هذا التفسير تخدم قوله تعالى من محور السورة في البقرة وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
وفي هذا المقام مقام إقامة الحجة على المشركين- يذكر الله عزّ وجل نعمته على خلقه بهذا القرآن، وطبيعة الإنسان التي تصرفه عن الاستفادة الكاملة من هذا القرآن، قال تعالى:
وَلَقَدْ صَرَّفْنا أي كررنا وبيّنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاجون إليه وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا أي وكان الإنسان أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل إن فصلتها واحدا بعد واحد، خصومة ومماراة بالباطل، يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شئ، جاءت هذه الآية بعد أن بيّن الله عاقبة الذين اتخذوا الشياطين أولياء، مبينا فيها أنه قد وضّح لهم في هذا القرآن الأمور، وفصّلها، كيلا يضلّوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى، ومع هذا البيان في هذا القرآن، فإن الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة، والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هداه الله وبصّره، ولقد رأينا في هذه السورة، كم من مثل ضربه الله لينقل الإنسان إلى الحال الأعلى، ورأينا نموذجا على جدال الإنسان بالباطل في بعض هذه الأمثال، إن هذا المقطع يعكس أنواره على كل ما سبقه من السورة، وإذ قرّر الله في الآية خاصية هذا القرآن، وطبيعة هذا الإنسان، يبيّن في الآيتين اللاحقتين، أنه جل جلاله ما ترك مانعا يمنع أحدا من الإيمان إلا هدّمه، لولا طبيعة الإنسان الكافر فقال:
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي جاءتهم أسبابه وهي الكتاب أو الرسول أو الوحي وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ على ما فرّطوا في جنابه إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وهي الإهلاك أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا أي عيانا أو أنواعا، أي إن الآيات من الدلالة والوضوح، بحيث لا تبقي مانعا يمنع من الإيمان، ولكنها الطبيعة الجحود التي لا تصدق إلا إذا أهلكت، أو رأت عذاب الآخرة، فهي لا تصدق ما أنذرها به الرسل حتى يقع، والرسل مهمتهم التبشير والإنذار ليس إلا، وقد جعل الله معهم كل ما تقوم به الحجة، ولكن طبيعة الكفر تحول دون القبول
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ مبشّرين لمن آمن بهم وصدقهم، ومنذرين لمن كذّبهم وخالفهم وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي ليزيلوا ويبطلوا ويضعفوا به الحق الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم، دلّ هذا على أن ما بعث به الرسل هو الحق، وأنه لا حجة لكافر، وإنما جداله للباطل وبالباطل وَاتَّخَذُوا أي الكافرون آياتِي أي الحجج