أي: حيث وجدتموهم فتمكنتم منهم، وظفرتم بهم فاقتلوهم. ألزمهم بثلاثة أشياء مجتمعة، فإن أدوها كان بها، وإلا فقد أمر بقتلهم. ١ - اعتزال قتال المسلمين ٢ - إعطاء الإسلام الكامل، فالسلم هنا الإسلام، والإلقاء يفيد الإعطاء الكامل، وذلك أن هؤلاء أعلنوا الإسلام فهم مطالبون به، وإلا فهم مرتدون حكمهم حكم المرتد. ٣ - كف الأيدي عن إيذاء المسلمين. فإذا لم يعطوا هذه الأشياء الثلاثة، فقد أمر الله- عزّ وجل- بقتلهم وقتالهم. وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً. أي: حجة واضحة، إن قاتلتموهم وقتلتموهم، أو تسليطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم.
والسلطان المبين، إنما كان بسبب انكشاف حالهم في الكفر والغدر والإضرار بالمسلمين. قال مجاهد في سبب نزول هذه الآية «إنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا، وهاهنا، فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا». والسبب وإن كان خاصا، فالعبرة لعموم اللفظ، وبهذه الآية يكون السياق قد وضح حيثيات في القتل والقتال، قتال الكافرين والمنافقين.
وإذ كان الأمر بالقتل والقتال هنا بمثل هذا الوضوح سواء في حق الكافرين أو المنافقين، وإذ كان أمر المنافقين ووضعهم دقيقا،
فقد بدأ السياق يحذر بشدة من قتل المؤمنين، ويذكر كفارة القتل الخطأ إن حدث. وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً. أي: ليس المؤمن كالكافر الذي تقدمت إباحة دمه، فلا يصح للمؤمن ولا يليق بحاله، ولا يستقيم أن يقتل مؤمنا إلا على وجه الخطأ. والمعنى: من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد، بأن يرمي كافرا فيصيب مسلما، أو يرمي شخصا على أنه كافر، فإذا هو مسلم. وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ هذان واجبان في قتل الخطأ، أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم، وإن كان خطأ. ومن شرطها أن تكون رقبة مؤمنة، فلا تجزئ الكافرة؛ والحكمة في ذلك أنه لما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق أثر من آثار الكفر، والكفر موت حكما. أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.