اليوم، ووجه آخر وهو أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ وذلك في الدنيا، ذكر سبحانه في هذه حال ما يكتبه الحافظون، وهو مرقوم يجعل في عليين أو سجين، وذلك أيضا في الدنيا كما تدل عليه الآثار، فهذه حالة ثانية للكتاب ذكرت في السورة الثانية، وله حالة ثالثة متأخرة عنهما وهي إيتاؤه صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك عن السورة التي فيها الحالة الثانية، انتهى وهو وإن لم يخل عن لطافة للبحث فيه مجال، فتذكر).
[كلمة في سورة المطففين ومحورها]
تبدأ سورة المطففين بالكلام عن التطفيف بالميزان، لتصل إلى الكلام عن الفجار لتصل إلى الكلام عن الأبرار، لتصل إلى الكلام عن المجرمين وموقفهم من المؤمنين في الدنيا، وحال هؤلاء المجرمين في الآخرة، وحال المؤمنين فيها، ومن هذا العرض الموجز للسورة ندرك أن السورة تتحدث عن المتقين، وعن الكافرين، ولكنها تبدأ بالكلام عن الكافرين، ثم تتحدث عن المتقين، ثم تتحدث عن الطرفين بآن واحد، وهو منحى اعتدناه في تفصيل مقدمة سورة البقرة، فالكلام عن المتقين يعمق تصورنا عن الكافرين، والكلام عن الكافرين يعمق تصورنا عن المتقين، وفي سورة المطففين كلام عن المتقين والكافرين بآن واحد، ولذلك نقول: إن محور سورة المطففين هو قوله تعالى من سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
تبدأ السورة بذكر خلق من أخلاق الكافرين، ثم تنتهي بالحديث عن الفجار والكفار، وعن بعض أخلاق الكافرين، وعن ختم الله على قلوبهم، وعن سبب ذلك، ومن خلال ذلك تعرف بعض صفات المتقين المقابلة، ثم إن السورة تتحدث عن الأبرار والمؤمنين ببيان ما لهم عند الله عزّ وجل، والملاحظ أن آخر مجموعة من مجموعات القرآن، تبدأ بسورة العصر، ثم تثني بسورة الهمزة وهي مبدوءة بقوله تعالى وَيْلٌ