قيامها، مع أنها تغيير لنظام الكون كله إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ أي إلا كرجع طرف أو الأمر أقرب من ذلك. وفسر بعضهم (أو) هنا بمعنى بل. والمعنى بل أمر الساعة
أقرب من لمح البصر إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق، وهذا بعض مقدوراته. أخبر تعالى بذلك عن كمال علمه في علمه غيب السماوات والأرض، واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطّلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وعن كمال قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
ثم يعود السياق إلى تعداد نعم الله.
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ فهذه وسائل الإدراك لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أنه جل جلاله ركّب فيكم هذه الأشياء لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه، واجتلاب العلم الذي يوصل إلى شكر المنعم، وعبادته والقيام بحقوقه، فماذا فعل الناس فيها؟ استعملها الكثيرون فأفادتهم، ولكن لم يحققوا بها ما خلقت له، وهو الوصول إلى الشكر، والقليل هم الذين شكروا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (سبأ: ١٣)
ثم لفت نظرهم إلى آيات من آيات الله أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ أي مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك فِي جَوِّ السَّماءِ أي في هواء السماء والمراد بها السماء لغة وهي جهة العلو ما يُمْسِكُهُنَّ في قبضهن وبسطهن ووقوفهن إِلَّا اللَّهُ بقدرته فإنه الخالق لكل شئ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فالمؤمن هو الذي يرى آيات الله في هذه الظاهرة
هو الذي يسكن إليه الإنسان، وينقطع إليه من بيت أو إلف لما يسببه له ذلك من سكينة وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً المراد بذلك قباب الجلود وهي معروفة قديما، ويدخل في ذلك بيوت الشعر كذلك، لأنها من جلود الأنعام تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ أي ترونها خفيفة المحمل في الضرب والنقض والنقل، والظعن: الارتحال.
منّ الله عليهم بالخيام التي يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها في إقامتهم في السفر والحضر، ومن ثم قال: وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ أي قراركم في منازلكم، والمعنى أنها خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر وَمِنْ أَصْوافِها أي أصواف الغنم وَأَوْبارِها أي وأوبار الإبل وَأَشْعارِها أي وأشعار المعز أَثاثاً أي متاعا