للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: أي أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً أي قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا، من وحم وغثيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً أي: بمشقة أيضا من الطلق وشدته وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ أي فطامه عن الرضاع ثَلاثُونَ شَهْراً وفي الآية معان فقهية سنراها في الفوائد حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ بأن اكتهل واستوفى السنّ التي تستحكم فيها قوته وعقله. قال النسفي: ذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين، وعن قتادة ثلاث وثلاثون سنة، ووجهه أن يكون ذلك أول الأشد وغايته الأربعون.

وقال ابن كثير: أي: قوي وشب وارتجل وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أي: تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أي: ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ قال النسفي: المراد به نعمة التوحيد والإسلام، وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه؛ لأن النعمة عليهما نعمة عليه وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ أي: في المستقبل وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أي: اجعل ذريتي موضعا للصلاح، ومظنة له، وذريته: نسله وعقبه إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من كل ذنب وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي: المستسلمين المنقادين لأمرك. قال ابن كثير: وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدّد التوبة والإنابة إلى الله عزّ وجل، ويعزم عليها

أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ قال ابن كثير: أي المتصفون بما ذكرنا، التائبون إلى الله، المنيبون إليه، المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار، هم الذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، فنغفر لهم الكثير من الزلل، ونتقبّل منهم اليسير من العمل فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وقال ابن كثير: أي هم في جملة أصحاب الجنة، وهذا حكمهم عند الله، كما وعد الله عزّ وجل من تاب إليه وأناب، ولهذا قال تعالى وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ في الدنيا بالكتب، وعلى لسان الرسل عليهم الصلاة والسلام. ثم لما ذكر الله تعالى حال الدّاعين للوالدين، البارّين بهما، أي المحسنين بأنواع الإحسان، وما لهم عند الله من الفوز والنجاة، عطف بحال الأشقياء الظالمين، العاقين للوالدين فقال:

وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما التأفيف: صوت إذا صوّت به الإنسان علم أنّه متضجر، ومعنى قول الفاجر الكافر:

هذا التأفيف لكما خاصّة، ولأجلكما دون غيركما، فالفاجر أجرأ على والديه من كل الخلق، وهو أقسى عليهما من دون الخلق أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ أي: أبعث من الأرض وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ أي: مضت القرون مِنْ قَبْلِي ولم يبعث منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>