إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ثم تحدثت عن اتخاذ المشركين شركاء ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ثم حدثنا السياق عن الله عزّ وجل وعن شكره، ثم حدثنا عن موقف الكافر عند الشدة وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ .. ثم جاءت مجموعة مبدوءة بقوله تعالى قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ...
ونلاحظ أن المجموعة الأولى في المقطع الثاني بدأت بقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ .. ثم حدثتنا عن اتخاذ المشركين آلهة ليشفعوا لهم ... أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ .. ثمّ وثمّ حتى حدثتنا عن موقف الكافر عند الشدة، وكفره عند الرخاء فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا ... ثم تأتي الآن مجموعة مبدوءة بقوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ....
هذا التشابه الكبير بين المجموعة الأولى والثانية في المقطع الأول، وبين المجموعة الأولى والثانية في المقطع الثاني، يذكّرنا بقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ... إنك تلاحظ التشابه الواضح، وتلاحظ تثنية المعاني، وتلاحظ أن ذلك عرض على أعظم ما يكون البيان، وأحسن ما يكون الكلم، وكل ذلك في صيغة تبشير وإنذار، تقشعر منها الجلود ثم تلين، وهذا كله يتأدّى دون أن تحسّ بملل لرؤيتك التجديد والجديد كلما سرت في السورة، ومن ثم فإنك تجد كيف أنّ السورة يخدم بعضها بعضا بأشكال متعددة، وبشكل لا يمكن الإحاطة به، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز الكبير في هذا القرآن، ودليل على أنّ القرآن من عند الله.
٢ - [عرض عام لمسار السورة وعلاقة ذلك بالمحور]
من التشابه بين المقطعين تستطيع أن تدرك مسار السورة، فالسورة تحدّثنا عن تنزيل هذا القرآن، وهذا يقتضي عبادة لله، والعبادة تقتضي معرفة لله وعملا، وقد عرفنا الله عزّ وجل في المقطع الأول على ذاته، ودلّنا على طريق العمل، وأقام الحجة على الجاحدين والجاهلين والمشركين. وجاء المقطع الثاني ليكمّل المسار، فيقرر تنزيل الله هذا القرآن، ثم يعرفنا على الله عزّ وجل، ثمّ يبيّن ضلال المشركين في شأن الألوهية، ثم يبين لنا ما ينبغي فعله، وهكذا ما بين التعريف بالله عزّ وجل، والتعريف على العمل، وتبيان المآل، نرى السياق يسير، وكل ذلك بما يخدم محور السورة من سورة البقرة