اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ أي يئسوا من إيمان القوم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي وظن أقوامهم أن الرسل قد أخلفوا ما وعدوه، أو وظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل، أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه، وهناك قراءة بتشديد الذال، ومعناها على هذا: وأيقن الرسل أن قومهم كذبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا أي جاء الأنبياء والمؤمنين بهم النصر فجأة من غير احتساب فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ أي النبي ومن آمن به وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا أي عذابنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أي الكافرين
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ أي لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم وكيف جعلنا العاقبة لهم كما رأيت نموذج ذلك في قصة يوسف عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ أي عظة لأصحاب العقول، وقد رأينا في قصة يوسف كيف نقل من غيابة الجب إلى نهاية الحب، ومن الحصير إلى السرير. فصارت عاقبة الصبر سلامة وكرامة، ونهاية المكر وخامة وندامة ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى أي ما كان القرآن حديثا مفترى كما زعم الكفار، ولا يتصور أن بالإمكان أن يفترى هذا القرآن على الله إلا مجنون وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي من الكتب المنزلة من السماء فهو يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير، وقد رأينا في قصة يوسف نموذجا، وكتاب هذا شأنه منزل على الرسول الأمي ما كان ليكون إلا من عند الله وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ من تحليل وتحريم، ومحبوب ومكروه، وغير ذلك من الأمر بالطاعات والواجبات والمستحبات، والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الأمور الجليلة، وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية، والإخبار عن الرب تبارك وتعالى بالأسماء والصفات، وتنزهه عن مماثلة المخلوقات، وبالجملة فإن القرآن تفصيل لكل شئ يحتاج إليه في الدين لأنه كما قال النسفي: القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس، ومن هذه الآية ومن قوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ فهم العلماء أنه ما من قضية إلا ولله فيها حكم، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وكتاب هذا شأنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بالله وأنبيائه في الدنيا والآخرة.
وكتاب هذا شأنه فيه الهدى في كل أمر، وفيه الرحمة في شأن الدنيا والآخرة، في شأن الجسد والقلب، في شأن الروح والعقل، في شأن الفرد والمجتمع، كتاب هذا شأنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله، وهكذا حطمت سورة يوسف الريب في سياقها العام،