في هذه الآية رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام. فإنه كان إذا أفطر أحدهم، إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك. فمتى نام أو صلى العشاء، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة. فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة. فأنزل الله في هذه الآية رخصة.
وفي هذه الآية بيان لمكان الزوج من زوجته، ومكان الزوجة من زوجها. كما أن فيها تحديد وقت الصوم، وتحديد وقت الفطر، وإباحة ما أبيح بين الوقتين. كما أن فيها إشارة إلى الاعتكاف. وما يحظر فيه. وختمت الآية بالتحذير من مجاوزة حدود الله. وتبيان فضل الله على هذه الأمة، إذ بين لها طريق النجاة في الدنيا والآخرة.
[من أسباب النزول]
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام فى شهر رمضان بعد العشاء- منهم عمر بن الخطاب- فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ.
[المعنى الحرفي للآية]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ: الرفث هنا الجماع. والليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. فصار المعنى: أبيح لكم إتيانكم نساءكم في ليلة صومكم. والدليل أن الجماع يدخل في كلمة الرفث هنا، استعمال كلمة إِلى.
فدل على أن ما قبلها قد تضمن معنى الإفضاء. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ:
هذا استئناف، وهو كالبيان لسبب الإحلال. وهو إنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن. وصعب عليكم اجتنابهن. فلذا رخص لكم في مباشرتهن. شبهت الزوجة باللباس لزوجها، وشبه الزوج باللباس لزوجته، بجامع المخالطة والمماسة والمضاجعة، فناسب هذا الترخيص بالجامعة في ليل رمضان. لئلا