حفظهن للغيب، بسبب حفظ الله إياهن، وعصمتهن وتوفيقهن لحفظ الغيب، حيث صيرهن كذلك. وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ. أي: واللاتي تخافون عصيانهن، وترفعهن عن طاعة الأزواج. فَعِظُوهُنَّ. هذا أول الدواء. أي: فخوفوهن عقوبة الله تعالى. والعظة، كلام يلين القلوب القاسية، ويرغب الطبائع النافرة.
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ. هذا ثاني الدواء، وهو الهجر في المضجع، أي المرقد. أي: لا تدخلوهن تحت اللحف، وهو كناية عن الجماع، أو هو أن يوليها ظهره في المضجع، إذ لم يأمر الله تعالى بهجرانهن عن المضاجع، بل قال: في المضاجع.
فالهجر إذن يبقى داخل البيت، وفي الفراش. وَاضْرِبُوهُنَّ. هذا ثالث الدواء.
أمر بالضرب، وقيدت السنة هذا الضرب بأن يكون غير مبرح، أي غير مؤثر. أي:
ضربا رفيقا، لا يكسر فيها عضوا ولا يترك أثرا. أمر بوعظهن، ثم بهجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إن لم ينجح فيهن الوعظ والهجران. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. أي: فإن أعطين الطاعة، فلا تطلبوا لهن سبيلا لتتعرضوا لهن بالأذى. أي: فإن أطعنكم فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً: تذكير الله إيانا بصفتي العلو والعظمة في هذا المقام يفيد: أيها المؤمنون إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرة الله عليكم أعظم من قدرتكم عليهن، فاجتنبوا ظلمهن.
أو: أيها المؤمنون إنكم تعصون الله على علو شأنه، وكبرياء سلطانه، ثم تتوبون، فيتوب عليكم. فعليكم بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما. الخطاب لولاة المسلمين، وقضاتهم. والشقاق: العداوة والخلاف، والضمير للزوجين، ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء.
فصار المعنى: وإن خفتم أيها الولاة، والقضاة شقاقا بين زوجين فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها. أي: فابعثوا من أهله رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما، وابعثوا من أهلها رجلا كذلك. وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح، ونفوس الزوجين أسكن إليهم، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة. وما هي حدود صلاحية الحكمين؟ هل التوفيق فقط، أو التوفيق والتفريق. وإذا كان لهما التفريق، فما حدوده؟ قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين، إذا اختلف قولهما، فلا عبرة بقول الآخر. وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع، وإن لم