هو التوراة لأن الكلام فيما يبدو منصب على اليهود، والرؤية هنا رؤية القلب يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ. أي: يستبدلونها بالهدى، والضلالة هي البقاء على ما هم عليه بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أي: ويودون أن تضلوا سبيل الحق كما ضلوه، يودون أن تكفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ. أي: والله أعلم منكم بعداوة هؤلاء، فاحذروهم، ولا تستنصحوهم في أموركم. وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً أي: كفى به وليا في الدفع، فثقوا بولايته ونصرته دونهم، أو لا تبالوا بهم، فإن الله ينصركم عليهم، ويكفيكم مكرهم.
مِنَ الَّذِينَ هادُوا ... هذا دليل على أن الآيات تنصب على نوع من أهل الكتاب وهم (اليهود) كما أن هذه تحدد المذكورين سابقا بلفظ الأعداء، وبالذين أوتوا نصيبا من الكتاب يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ. أي: يميلونه عنها ويزيلونه، لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله تعالى فيها، وأزالوه عنها. فمعنى عن مواضعه. أي: عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها، بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه، ومن ذلك صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا. أي: يقولون سمعنا قولك، وعصينا أمرك، ويحتمل أنهم أسروا به. وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ. أي: واسمع قولنا وأنت غير مسمع، وهو قول ذو وجهين: وجه يحتمل الذم، ووجه يحتمل المدح، وهم يريدون الذم، أما احتماله الذم فلأن معناه على هذا: اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئا، فكان أصم غير مسمع، قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم لا سمعت دعوة مستجابة، أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه، ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك، فكأنك لم تسمع شيئا، وأما احتماله المدح فبمعنى: اسمع غير مسمع مكروها، من قولك أسمع فلان فلانا إذا سبه. وَراعِنا يحتمل: راعنا نكلمك، أي ارقبنا وانتظرنا، ويمكن أن يكونوا يريدون فيها الرعونة، فكانوا سخرية بالدين وهزءا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة، ويظهرون به التوقير والاحترام.