رأينا أن محور سورة الأنبياء هو قوله تعالى من سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
وهناك تساءلنا من هؤلاء الكافرون الذين هذا شأنهم؟ وسبب السؤال أن هناك كافرين أسلموا، وأجبنا هناك على هذا السؤال
وتأتي هنا سورة الأنبياء لتبين لنا من هؤلاء الكافرون الذين هذا شأنهم: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ... بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ إن من اجتمعت فيه هذه الصفات لا يمكن أن يؤمن، فإذا نقص واحد منها فربما، فلو كان عنده استعداد للسماع، أو لم يكن ممن يتآمر على الإسلام، أو كان ممن لا يجهر بالسوء في الرسول والقرآن كل هؤلاء يمكن أن يؤمنوا، وإذا كان اجتماع هذه المعاني غيبا فإن الإنذار لا بد منه، وإقامة الحجة لا بد منها، ومن ثم لاحظنا أن السورة ردت وأنذرت الإنذار الكافي؛ ليؤمن من كان في قلبه شئ من الخير، ومن ثم فإن ملاحظة ما ورد في السورة مهم جدا، في خطاب الكافرين عامة لاستخراج ما في قلوبهم من خير، أما النوع الآخر الذي لا فائدة منه بتاتا فهذا أدبنا فيه آيتان في السورة: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ
والسورة إذ فصلت هذا المقام فإنها فصلت كذلك كيف يكون عليه حال النذير بما قص الله من قوله، ومن خلال ذكر الأنبياء، كما ثبتت السورة قلب النذير بالكلمة والقصة والبشارة والعبرة وجنبته مزالق الطريق التي يمكن أن يقع فيها، كما حدث من يونس عليه السلام، وفي السورة لأهل الإيمان إنذار يحررهم من أخلاق الكفر وسلبياته، ويرفعهم إلى أخلاق الإيمان وإيجابياته وقد عرضنا السورة كما رأيت على أنها مقدمة ومجموعات