قدم الألوسي لسورة الإنسان بقوله:(وتسمى سورة الدهر، والأبرار، والأمشاج، وهل أتى. وهي: مكية عند الجمهور على ما في البحر، وقال مجاهد وقتادة: مدنية كلها، وقال الحسن وعكرمة والكلبي: مدنية إلا آية واحدة فمكية وهي: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً، وقيل: مدنية إلا من قوله تعالى:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ إلى آخرها فإنه مكي وعن ابن عادل حكاية مدنيتها على الإطلاق عن الجمهور، وعليه الشيعة، وآيها إحدى وثلاثون آية بلا خلاف. والمناسبة بينها وبين ما قبلها في غاية الوضوح).
ومن تقديم صاحب الظلال لهذه السورة نقتطف ما يلي: (والسورة في مجموعها هتاف رخي ندي إلى الطاعة، والالتجاء إلى الله، وابتغاء رضاه، وتذكر نعمته، والإحساس بفضله، واتقاء عذابه، واليقظة لابتلائه، وإدراك حكمته في الخلق والإنعام والابتلاء والإملاء.
وهي تبدأ بلمسة رفيقة للقلب البشري: أين كان قبل أن يكون؟ من الذي أوجده؟ ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود؟ بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً.
تتلوها لمسة أخرى عن حقيقة أصله ونشأته، وحكمة الله في خلقه، وتزويده بطاقاته ومداركه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً.
ولمسة ثالثة عن هدايته إلى الطريق، وعونه على الهدى، وتركه بعد ذلك لمصيره الذي يختاره: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً.
وبعد هذه اللمسات الثلاثة الموحية، وما تثيره في القلب من تفكير عميق، ونظرة إلى الوراء، ثم نظرة إلى الإمام، ثم التحرج والتدبر عند اختيار الطريق ... بعد هذه اللمسات الثلاثة تأخذ السورة في الهتاف للإنسان وهو على مفرق الطريق لتحذيره من طريق النار ... وترغيبه في الجنة، بكل صور الترغيب، وبكل هواتف الراحة
والمتاع والنعيم والتكريم.
فإذا انتهى معرض النعيم اللين الرغيد المطمئن الهانئ الودود، اتجه الخطاب إلى