للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودين الله، وشرعه وهدايته؟ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ أي أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في القدرة على الخلق، بسبب من اشتباه مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا: قدر هؤلاء على الخلق، كما قدر الله عليه، فاستحقوا العبادة، فنتخذهم له شركاء، ونعبدهم كما يعبد؟

فإذ لم يكن الأمر كذلك- من أنه ليس لله شركاء خلقوا مثل خلق الله- فقد قامت عليهم الحجة إذ اتّخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق، فالاستفهام إنكاري قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فلا خالق غيره، ولا يستقيم في منطق الحق أن يكون له شريك في العبادة، وليس له شريك في الخلق، وهذا من أعظم الأدلة لأهل السنة والجماعة على أن الله خالق أفعال العباد، لا كما يقول المعتزلة، فمن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فإنه يلزم على قوله أن يتشابه الخلق على المخلوقين وَهُوَ الْواحِدُ أي المتوحد بالربوبية الْقَهَّارُ أي الذي يغلب ولا يغالب، والذي ما عداه مربوب ومقهور، ومن كان هذا شأنه فهو الحري وحده بالطاعة والعبادة، فهو وحده يعلم الحق ويقرره ويبينه ويطالب به، ويلزم به، ويعاقب عليه. وهذا كله مقتضى ربوبيته ووحدانيته وقهره،

ومن ثم قال تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً قال النسفي في معناها: أنزل من السحاب مطرا فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها أي كل واد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيرا من الماء، وهذا صغير وسع بقدره، والأودية جمع واد: وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة، وفي تنكير الأودية نكتة: وذلك أن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع، فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض. قال ابن كثير عن هذا المثل: وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علما كثيرا، ومنها من لا يسع الكثير من العلوم بل يضيق عنها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً أي فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه، والزبد: هو ما على وجه الماء من الرغوة، والرابي: هو المنتفخ المرتفع على وجه السيل، هذا هو المثل الأول في هذه الآية، إذ اشتملت هذه الآية على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، والمثل الثاني قوله تعالى وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة ابتغاء حلية، أي ليجعل حلية، أو ابتغاء متاع من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في الحضر والسفر، فإنه يعلوه زبد منه كما يعلو ذلك زبد منه، والحلية: هي الزينة من ذهب أو

<<  <  ج: ص:  >  >>