وسبب النزول يحدد المعنى الأول، إذ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي يخون، وروى مثله غيره.
والصلة بين هذه الآية ومقطعها من أكثر من وجه. فالمقطع يبين ما ينبغي أن تكون عليه أخلاق المؤمنين بعد المعركة في مواقفهم مما يحدث لإخوانهم من قتل.
وهذه الآية تبين أمانة المؤمنين بعد المعركة في الغنيمة بأمانة سيدهم وقدوتهم.
وهناك صلة أخرى وذلك أن الذي دعا الرماة إلى النزول عن الجبل ومخالفة الأمر؛ الغنائم، ولا مبرر لذلك إذ ما دام حقهم سيصل إليهم بمنتهى الدقة، فلا مبرر للهلع لتصور أن يفوت بعضهم شئ. ولعل لهذا المدرك اللطيف،، فسرها حبر هذه الأمة ابن عباس فقال: بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضا، ويمكن أن تكون الصلة بنوع من العطف بعيد لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، ولا تَغْلُوا* لأن الغلول لا يصح أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأتباعه. وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: ومن يأخذ شيئا غلولا يأت بالشئ الذي غله بعينه، حاملا له كما ورد في كثير من الأحاديث، أو يأت بما احتمل من وباله وإثمه. ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي: ثم تعطى كل نفس جزاءها وافيا دون أن تنقص شيئا، فكل يعطى جزاءه على قدر كسبه، والله ذو فضل. ودخل في هذا التهديد الشديد كل كاسب من الغال وغيره، والتهديد في حق الغال أشد، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيرا أو شرا مجزي فموفى جزاءه، علم أنه غير متخلص مع عظم ما اكتسب.
وبعد أن نهى الله عن أخلاق للكافرين، ووصف أخلاق المؤمنين من خلال وصف أخلاق سيدهم، بين أن هؤلاء وهؤلاء لا يستوون، ليرفع همم أهل الإيمان إلى ما ينبغي.
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ باتباع ما يوصل إلى هذا الرضوان كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أي: كمن استحق غضب الله وألزم به، فلا محيد له عنه، وهم المنافقون والكفار. وَمَأْواهُ
هُمْ أي: أهل الخير وأهل الشر. دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي:
منازل، يعني هم متفاوتون في منازلهم، درجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار، أو هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات، أو هم ذوو درجات بحسب تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين، أو بحسب تفاوت الثواب والعقاب. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي: