وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن عباده وعن عبادتهم ذُو الرَّحْمَةِ عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها الظلمة وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ. أي:
من الخلق المطيع كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ. أي: من أولاد قوم آخرين
إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ. أي: إن الذي توعدونه من البعث والحساب والثّواب والعقاب لكائن وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. أي: بفائتين لنا بل سنحشركم، وهذا ردّ لقولهم من مات فقد فات
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ. أي: اعملوا على تمكّنكم من أمركم، وأقصى استطاعتكم، وإمكانكم، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها إِنِّي عامِلٌ. أي: على مكانتي التي أنا عليها أي: اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي، فإنّي ثابت على الإسلام، وعلى مصابرتكم، وهو أمر تهديد ووعيد، ودليل ذلك ما بعده فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ. أي: فسوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة، وهذا طريق في الإنذار إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ. أي: الكافرون.
وبهذا انتهت الفقرة الثانية من المقطع الأول من القسم الثاني من سورة الأنعام.
فوائد: [حول الآيتين (١٣٠، ١٣٤)]
١ - عند قوله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ .... تثور معركة كلامية حول هل أرسل الله رسلا للجن منهم أو أن الرسل جميعا من الإنس؟ قال ابن كثير:(والرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسل كما قد نص على ذلك مجاهد، وابن جريج، وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف، وقال ابن عباس:
الرسل من بني آدم، ومن الجن نذر. وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زعم أن في الجن رسلا، واحتج بهذه الآية الكريمة وفيه نظر لأنها محتملة وليست بصريحة .... ).
٢ - وعند قوله تعالى: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين».
كلمة في السّياق:
قلنا: إن الفقرة الثانية في هذا المقطع تتألف من مقدمة، وثلاث مجموعات، ولقد رأينا