١ - بمناسبة قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ نذكر هذه الرواية. روى البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«مفاتح الغيب خمس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدّى له في صورة أعرابي فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما قال له: «خمس لا يعلمهن إلا الله» ثم قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية.
٢ - يقول النسفي بمناسبة قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ: وعندك أيها الإنسان مفاتح العيب فمن آمن بغيبه أسبل الله السّتر على عيبه.
٣ - بمناسبة قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ .... يروي ابن كثير ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويردّ إليه، فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا ردّ إليه». فذلك قوله:
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ. أقول إنّ الله- عزّ وجل- أسند الوفاة في الآية إلى ذاته الكريمة، وفي هذا الحديث أسندت الوفاة إلى عالم الأسباب، وإسناد ما لعالم الأسباب دخل فيه إلى الله لأنه هو الفاعل على الحقيقة وهو الخالق:«الله خالق كل شئ».
٤ - سمّى الله- عزّ وجل- في الآية الأخيرة النّوم وفاة، وسمّاه في مكان آخر الموت وهو الموت الأصغر فمن النّوم نعلم شيئا عن عالم الموت وعن عالم البرزخ- وهو العالم الذي نكون فيه بعد الموت فقد أعطانا الله بهذا النّوم صورة مصغّرة عن الموت، وعن عالم البرزخ، وعن عذاب القبر، أو نعيمه، فنحن نرى النائم ساكنا هادئا لا نرى على جسمه أثرا، ومع ذلك فقد يكون في عذاب أو نعيم، كأن يرى نفسه يتلذّذ أو يتعذّب وهو ساكن هادئ لا نرى عليه أثرا في كثير من الأحيان، ولا يعني هذا أنّ حال الميت والنائم واحد بل يعني هذا أنّ النّوم صورة مصغّرة عن الموت، بل إنّ ما يكون للإنسان بعد الموت أكثر وضوحا مما يكون للإنسان في عالم اليقظة، فلذلك العالم قوانينه، والنوم هو المثال المقرب، وفي كتاب إحياء علوم الدين للغزالي في المجلد الرابع كلام نفيس عن هذا الموضوع فليراجع، ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث صحيح «النّوم أخو الموت».