للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوى، ولا يتأثر بشتى المؤثرات ... ولا عبرة بما يضعه البشر أنفسهم من موازين ..

فقد يكون الخلل في هذه الموازين ذاتها فتختل جميع القيم .. ما لم يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت القويم. والله يضع هذا الميزان للبشر، للأمانة والعدل، ولسائر القيم، وسائر الأحكام، وسائر أوجه النشاط، في كل حقل من حقول الحياة.

[فصل: في مناقشة كلامية]

مما حدث فيه نقاش كثير بين علماء الكلام، موضوع هل الذرات المادية التي خالطت جسد الإنسان هي عينها التي تلتحق بجسده ولها يكون العقاب والعذاب، أو ليس هذا ضروريا؟ ويستتبع هذا النقاش: هل الجلود التي يبدلها الله أهل النار هي الجلود نفسها يعيدها الله غير نضيجة؟

والقول الذي عليه جماهير المتكلمين هو: أن الذرات نفسها هي التي تنال العقاب والجزاء، وأن ذلك كائن بقدرة الله- عزّ وجل- والألوسي يرى الرأي الآخر ومن أجل أن تتضح آفاق النقاش ننقل كلامه في تفسير قوله تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ. يقول:

«أي أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا مغايرا للمحترق صورة، وإن كانت مادته الأصلية موجودة بأن يزال عنه الاحتراق فلا يرد أن الجلد الثاني لم يعص فكيف يعذب، وذلك لأنه هو العاصي باعتبار أصله فإنه لم يبدل إلا صفته، وعندي أن هذا السؤال مما لا يكاد يسأله عاقل فضلا عن فاضل، وذلك لأن عصيان الجلد وتألمه وتلذذه غير معقول، لأنه من حيث ذاته لا فرق بينه وبين سائر الجمادات من جهة عدم الإدراك والشعور وهو أشبه الأشياء بالآلة؛ فيد قاتل النفس ظلما مثلا آلة كالسيف الذى قتل به، ولا فرق بينهما إلا بأن اليد حاملة للروح، والسيف ليس كذلك، وهذا لا يصلح وحده سببا لإعادة اليد بذاتها وإحراقها؛ دون إعادة السيف وإحراقه؛ لأن ذلك الحمل غير اختياري، فالحق أن العذاب على النفس الحساسة بأي بدن حلت، وفي أي جلد كانت وكذا يقال في النعيم، ويؤيد هذا أن من أهل النار من يملأ زاوية من زوايا جهنم وأن سن الجهنمي كجبل أحد، وأن أهل الجنة يدخلونها على طول آدم عليه السلام ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع، ولا شك أن الفريقين لم يباشروا الشر والخير بتلك الأجسام، بل من أنصف رأى أن أجزاء الأبدان في الدنيا لا تبقى على كميتها كهولة وشيوخة، وكون الماهية واحدة لا يفيد لأنا لم ندع فيما نحن فيه أن الجلد الثاني

<<  <  ج: ص:  >  >>