المجتمع الإسلامي. والتعقيب على الأمراء بأداء الأمانات إلى أهلها؛ والحكم بين الناس بالعدل، هو التذكير بأنه من وعظ الله- سبحانه- ونعم ما يعظ الله به ويوجه:
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ. ونقف لحظة أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه.
فالأصل في تركيب الجملة: إنه نعم ما يعظكم الله به .. ولكن التعبير يقدم لفظ الجلالة، فيجعله «اسم إن» ويجعل نعم ما «نعما» ومتعلقاتها، في مكان «خبر إن» بعد حذف الخبر .. ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله- سبحانه- وهذا الذي يعظهم به .. ثم إنها لم تكن «عظة» إنما كانت «أمرا» .. ولكن التعبير يسميه عظة. لأن العظة أبلغ إلى القلب، وأسرع إلى الوجدان، وأقرب إلى التنفيذ المنبعث عن التطوع والرغبة والحياة! ثم يجئ التعقيب الأخير في الآية؛ يعلق الأمر بالله ومراقبته وخشيته ورجائه: إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً ..
والتناسق بين المأمور به من التكاليف؛ وهو أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس؛ وبين كون الله سبحانه «سميعا بصيرا» مناسبة واضحة ولطيفة معا .. فالله يسمع ويبصر، قضايا العدل، وقضايا الأمانة. والعدل كذلك في حاجة إلى الاستماع البصير، وإلى حسن التقدير، وإلى مراعاة الملابسات والظواهر، وإلى التعمق فيما وراء الملابسات والظواهر. وأخيرا فإن الأمر بهما يصدر عن السميع البصير بكل الأمور.
وبعد: فالأمانة والعدل .. ما مقياسهما؟ ما منهج تصورهما وتحديدهما وتنفيذهما في كل مجال في الحياة، وفي كل نشاط للحياة؟.
أيترك مدلول الأمانة والعدل ووسائل تطبيقهما وتحقيقهما إلى عرف الناس واصطلاحهم؟ وإلى ما تحكم به عقولهم أو أهواؤهم؟
إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان ..
هذا حق .. ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات؛ متأثرا بشتى المؤثرات .. ليس هناك ما يسمى «العقل البشري» كمدلول مطلق! إنما هناك عقلي وعقلك، وعقل فلان وعلان، وعقول هذه المجموعة من البشر، في مكان ما وفي زمان ما .. وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى، تميل بها من هنا، وتميل بها من هناك .. ولا بد من ميزان ثابت، ترجع إليه هذه العقول الكثيرة؛ فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها. ومدى الشطط والغلو، أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات. وقيمة العقل البشري هنا هو أنه الأداة المهيأة للإنسان، ليعرف بها وزن أحكامه في هذا الميزان .. والميزان الثابت، الذي لا يميل مع