للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلته لديه، ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير، وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها) والملاحظ أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب، واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن، وذلك من كمال كرمه وحسن أدبه، ورجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف،

فدعا الملك النسوة المقطعات أيديهن، ودعا امرأة العزيز فإما أنهن معروفات أو أن يوسف حدد أسماءهن قالَ أي الملك لهن ما خَطْبُكُنَّ أي ما شأنكن إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ أي هل وجدتن منه ميلا إليكن قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تعجبا من قدرته على خلق عفيف مثله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ أي من ذنب قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي ظهر واستقر أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أي في قوله هي راودتني عن نفسي، ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة والنزاهة، واعترافهن على أنفسهن أنه لم يتعلق بشيء مما قذف به

ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ* وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ هذا الكلام هل هو كلام امرأة العزيز؟ أو قول يوسف معللا سبب امتناعه من الخروج حتى تثبت براءته؟ قولان للمفسرين وقد رجّح ابن تيمية وابن كثير أن هذا من تتمة كلام امرأة العزيز، ولم يذكر ابن جرير وابن أبي حاتم إلا القول الذي يدل على أنه من كلام يوسف، وعلى القول أن هذا من تتمة كلام امرأة العزيز يكون المعني: إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة، فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ

وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي تقول المرأة لست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي أي إلا من عصمه الله إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ذكرت بغفران الله الذنب، وبرحمة الله مستعطفة، راجية وعلى القول بأن هذا كلام يوسف يكون المعنى: ذلِكَ أي امتناعي عن الخروج لِيَعْلَمَ أي العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ أي بظهر الغيب في حرمه، أو ليعلم الملك أني لم أخن العزيز بظهر الغيب وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي وليعلم أن الله لا يسدد كيد الخائنين، وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها، ثم أراد أن يتواضع لله، ويهضم نفسه؛ لئلا يكون لها مزكيا، وليبين أن ما فيه من الأمانة بتوفيق الله وعصمته فقال: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي أي من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية، ولا أزكيها

<<  <  ج: ص:  >  >>