للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة المجادلة]

قال الألوسي رحمه الله بين يدي هذه السورة: (بفتح الدال وكسرها، والثاني هو المعروف، وتسمى سورة (قد سمع) وسميت في مصحف أبي رضي الله تعالى عنه الظهار، وهي على ما روي عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مدنية؛ قال الكلبي، وابن السائب: إلا قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ، وعن عطاء: العشر الأول منها مدني وباقيها مكي، وقد انعكس ذلك على البيضاوي، وأنها إحدى وعشرون في المكي والمدني الأخير، واثنتان وعشرون في الباقي، وفي التيسير هي عشرون وأربع آيات وهو خلاف المعروف في كتاب العدد.

ووجه مناسبتها لما قبلها أن الأولى ختمت بفضل الله تعالى وافتتحت هذه بما هو من ذلك، وقال بعض الأجلة في ذلك: لما كان في مطلع الأولى ذكر صفاته تعالى الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وقال سبحانه: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ افتتح هذه بذكر أنه جل وعلا سمع قول المجادلة التي شكت إليه تعالى، ولهذا قالت عائشة فيما رواه النسائي، وابن ماجه، والبخاري تعليقا حين نزلت: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله تعالى قَدْ سَمِعَ» الخ، وذكر سبحانه بعد ذلك أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ الآية، وهي تفصيل لإجمال قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين سورتي الحديد والحشر، مع تواخيهما في الافتتاح- بسبح- إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل).

ومن تقديم صاحب الظلال رحمه الله لسورة المجادلة نقتطف ما يلي: (وفي هذه السورة بصفة خاصة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة؛ وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه، ويشعرها برعايته، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده- سبحانه- معها في أخص خصائصها، وأصغر شئونها، وأخفى طواياها؛ وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره؛ وأخذها في حماه وكنفه، وضمها إلى لوائه وظله؛ وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله، وتنتسب إليه، وتؤلف حزبه في الأرض، وترفع لواءه لتعرف به في الأرض جميعا).

<<  <  ج: ص:  >  >>