للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيما شديدا بليغا) وبعد أن لفت الله النظر إلى ما يثير الخشية منه من خلال ما فعل بالمكذّبين، لفت النظر إلى مظاهر قدرته في هذا الكون من أجل أن يثير الخشية منه من خلال التعريف بعظمته فقال:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي السحاب ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بالماء ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها كالرمّان، والتّفاح، والتين، والعنب، وغيرها مما لا يحصر، فمنها الأحمر والأصفر والأخضر وغير ذلك وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ أي طرق بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها أي ومن الجبال ذو جدد، أي ذو طرق بيض وحمر وَغَرابِيبُ سُودٌ قال عكرمة:

الغرابيب: الجبال الطوال السود. قال ابن كثير: (وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان كما هو المشاهد أيضا). والغرابيب: جمع غربيب وهو القاتم السواد

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي كاختلاف الثمرات والجبال. ثم بعد أن عدّد الله عزّ وجل ما عدّد من آياته، وأعلام قدرته، وآثار صنعته، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس ممّا يستدلّ به عليه وعلى صفاته. أتبع ذلك بقوله إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ أي العلماء الذين عرفوه بصفاته؛ فعظّموه، ومن ازداد علما به ازداد منه خوفا، ومن كان علمه به أقل كان آمن. قال النسفي:

(وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن أن معناه: أن الذين يخشون الله من عباده العلماء دون غيرهم) إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ هذا تعليل لوجوب الخشية، لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم، وإثابة أهل الطاعة، والعفو عنهم. والمعاقب المثيب حقّه أن يخشى. وبهذا انتهت المجموعة الأولى من هذا المقطع. وقد بيّنت أنّ بداية السير إلى الله الخشية، وإقامة الصلاة. ودلّت على الطريق إلى ذلك، وتكلّمت عن مثيرات الخشية لله من معرفة غنى الله، والافتقار إليه، إلى معرفة قدرته عزّ وجل على الإفناء والإنشاء، إلى معرفة عقوبته يوم القيامة لمن خالف، إلى معرفة انتقامه ممن يكذّب الرسل، إلى معرفة مظاهر قدرته التي تدلّ على عظمته.

ولقد قال صاحب الظلال في الآيتين الأخيرتين ما يلي:

(إنها لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة على مصدر هذا الكتاب. لفتة تطوف في الأرض كلها، نتبع فيها الألوان والأصباغ في كل عوالمها. في الثمرات. وفي الجبال.

وفي الناس. وفي الدواب والأنعام. لفتة تجمع في كلمات قلائل، بين الأحياء وغير الأحياء في هذه الأرض جميعا، وتدع القلب مأخوذا بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع

<<  <  ج: ص:  >  >>