ويكشفون المخبوء من طاقتهم وطاقات الكون من حولهم، ويرون آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق، ويبدعون في الأرض بما شاء لهم الله أن يبدعوا .. وتعليق قلوبهم ومشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة. فهم من موعدها على حذر دائم وعلى استعداد دائم. ذلك لمن صحت فطرته واستقام. فأما من فسدت فطرته واتبع هواه فيغفل ويجهل، فيسقط ومصيره إلى الردى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى.
ذلك أن اتباع الهوى هو الذي ينشئ التكذيب بالساعة. فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها، ولا يتم فيها العدل تمامه، وأنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان، والعدل المطلق في الجزاء على الأعمال.).
[كلمة في السياق]
في هذا الخطاب لموسى عليه السلام نموذج على التنزيل الذي في مخالفته الهلاك والشقاء، لا في موافقته ومن ثم قال فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى أي فتهلك، كما أنه نموذج على التذكرة لمن يخشى، وقد لاحظنا أنه ذكر بالتوحيد والصلاة والساعة؛ فعرفنا بذلك بماذا يذكر، كما عرفنا من ماذا ينبغي أن يخاف الإنسان ويخشى، فالصلة بين مقدمة السورة وما بعدها واضح جدا، والصلة بين السورة ومحورها كذلك واضح وهو قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فإذا كان هؤلاء هم المفلحون فغيرهم خاسر.
ولنعد إلى السياق:
فبعد أن عرف الله موسى على ذاته، وأعلمه اجتباءه، وكلفه وحذره، سأله فقال وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قال النسفي:(والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت، أو للتوطين لئلا يهوله انقلابها حية، أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة).