حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ قال النسفي:(أي: الحجة الواضحة والمراد محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: لم يتركوا كفرهم حتى يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث أسلم بعض، وثبت على الكفر بعض)
قال ابن كثير: ثم فسر البينة بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أي: محمد صلى الله عليه وسلم يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً أي: يقرأ عليهم هذا الرسول صحفا مطهرة من الباطل
فِيها أي: في هذه الصحف كُتُبٌ قَيِّمَةٌ أي: مكتوبات مستقيمة، ناطقة بالحق والعدل. قال ابن جرير في الآية: أي: في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله عزّ وجل
وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ هذه الآية تبين أن أهل الكتاب تفرقوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما جاءتهم البينة، أي: بعد ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال النسفي:
فمنهم من أنكر نبوته بغيا وحسدا، ومنهم من آمن، وإنما أفرد أهل الكتاب بعد ما جمع أولا بينهم وبين المشركين، لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فلذا وصفوا بالتفرق عنه
وَما أُمِرُوا بهذا الدين وهذا القرآن إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي: من غير شرك ونفاق حُنَفاءَ أي: مؤمنين بجميع الرسل مائلين عن الأديان الباطلة وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وهي أشرف عبادات البدن وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أي: دين الملة القيمة، قال ابن كثير:(أي: الملة القائمة العادلة، أو الأمة المستقيمة المعتدلة، وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان) فإذا كان هذا ما يأمر به هذا الدين وهذا الرسول، فقد كان المفروض أن يستجيب أهل الكتاب لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذا التوجيه الذي وجهنا فيه الآيات لم نره بمجموعه لمفسر واحد، ولكنه بمجموعه لا يخرج عن أقوال المفسرين، ومنه نفهم السياق الخاص للسورة بشكل واضح، وبعد أن بين الله عزّ وجل موقف أهل الكتاب والمشركين من الدعوة الجديدة، وهو أنهم تفرقوا فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، فإن الله عزّ وجل في الفقرة اللاحقة يحدثنا عن هؤلاء وهؤلاء، وحال هؤلاء وحال هؤلاء، وما أعده لهؤلاء، وما أعده لهؤلاء
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بعد ما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ قال ابن كثير: أي:
شر الخليقة التي برأها الله وذرأها. أقول: يفسر هذه الآية قوله عليه السلام في الحديث