للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: إن كثيرا من الناس يغلطون بين العقل الذي عليه مدار التكليف والعقل الذي يقبل التكليف ويلتزم به، فهذا طور فوق ذلك الطور، والعقل في الاصطلاح الشرعي: قد يطلق على هذا أو على هذا، كما أن كثيرين من الناس يغلطون في موضوع القلب في الاصطلاح الشرعي، إن هناك القلب الحسي الذي ينبض بالدم، وهناك قلب مرتبط به نوع ارتباط هو الذي يتحدث عنه الشارع وهو صاحب التعمق بالإيمان، أو بالكفر، أو بالمرض، أو بالسلامة، وهذا القلب مقرّه الصدر لا الدماغ، فقد حدّد الله مكانه بقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: ٤٦) هذا القلب هو مركز العقل الذي يقبل التكليف، ويتفاعل معه، وعنه تنبثق الإرادة الحميدة إن كان سليما، ولقد تكلّمنا- عن مثل هذه الشئون تفصيلا في كتابنا (تربيتنا الروحية) فليراجع، لأن فيه تصحيحا للكثير من المفاهيم، إن للدماغ محله في المحاكمات، ومن ثمّ اعتبره بعضهم هو العقل، وللقلب محله في القرارات ومن ثمّ اعتبره بعضهم هو العقل، والأمر فيه تفصيلات، وله حيثيات، وهناك مصطلحات لغوية وشرعية وعرفية يجب أن يحسب لها حسابها في فهم هذا الموضوع، كما أن هناك حقائق علمية ينبغي أن تعرف، وعلى ضوء ذلك كله يفهم محل الدماغ، ومحل القلب، في قضية العقل.

٧ - [كلام ابن كثير عند الآية سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وتعليق المؤلف عليه]

ذكر ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ قول عطاء الخراساني وهو: «إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب، ألا ترى إلى قوله تعالى:

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً. وما جعل من السهل أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال؟ ألا ترى إلى قوله: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر؟ ألا ترى قوله: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (النور: ٤٣) لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفونه؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وما تقي من البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر.

والذي أقوله: إن هذا القرآن خاطب البشر كلهم بما يسع البشر جميعا، ومن إعجازه أن هذا الخطاب للبشر كان من الإعجاز بحيث وسع العصور والأقوام بما يقربهم ولا يبعدهم، وبما يألفون، لا بما ينكرون، ومن ثم نجد أهل كل عصر فهموا القرآن

<<  <  ج: ص:  >  >>