للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسفي: وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة، وأن الإيمان شرط قبولها فَلا يَخافُ ظُلْماً بأن يزاد في سيئاته وَلا هَضْماً أي ولا ينقص من حسناته؛ إذ أصل الهضم: النقص والكسر

وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا هذه الآية معطوفة على قوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ كما ذكر النسفي: والمعنى: ومثل ذلك الإنزال أنزلناه قرآنا عربيا أي بلسان العرب، وفي ذلك إشارة إلى فصاحة هذا القرآن، ودقة بيانه إذ ليس كبيان العرب في الفصاحة والبيان وَصَرَّفْنا أي وكررنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي من الإنذار لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يجتنبون الشرك، ويتركون المآثم والمحارم والفواحش أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ أي القرآن أو الإنذار فيه ذِكْراً عظة وتذكرة فيفعلون الطاعات والقربات.

[كلمة في السياق]

نلاحظ أنه قد وردت آيتان كل منهما مبدوءة بكلمة (كذلك) هما: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً التي جاءت بعد قصة موسى مباشرة. والآية الثانية: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً وما بين ذلك جاء هذا التذكير العالي، والإنذار المخيف، والوصف المدهش لليوم الآخر، وما يكون فيه، فكان ذلك نموذجا على الذكر في هذا القرآن، ونموذجا على ما في هذا القرآن من تصريف الوعيد، ورفع للإنسان إلى حقيقة التقوى، أو التذكر بهذه العظة الرائعة، ومن الآيتين ومما ورد بينهما نرى بعض خصائص هذا القرآن، من كونه ذكرا ومذكرا ومنذرا، ومن كون هذه الخصائص موجودة فيه على أرقاها، والنموذج الذي بين هاتين الآيتين دليل على ذلك وكتاب جاء ليفصل كل شئ، وكانت آياته كلها فيها هذه الخصائص وغيرها مجتمعة، دليل على أنه من عند الله، ومن ثم فإننا نلاحظ أن الآية التي بعد الآية الأخيرة بدأت بقوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ إن من عرف خصائص هذا القرآن، عرف علو الله وعظمته وإحاطة علمه.

ولا شك أن القارئ لا تغيب عنه الصلة بين هذه المجموعة وسياق السورة الخاص، فالسورة قالت في بدايتها عن هذا القرآن: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى وقالت هاهنا: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً. فالآية تؤكد أن القرآن للتذكير، ولتربية الخشية، وبنفس الوقت تعلل لكون القرآن تذكرة لمن يخشى

<<  <  ج: ص:  >  >>