للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحيح الذي رواه مسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»

وبعد أن بين الله عزّ وجل عاقبة الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمشركين وحكم عليهم أنهم شر الخلق، يحدثنا عن المؤمنين العاملين فيقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أي: خير الخليقة. وفي هذه الآية والتي قبلها تقرير لميزان الخيرية والشرية، فما أجهل من يحكم لكافر بالخيرية، والله عزّ وجل جعله شر البرية، وما أجهل من يحكم على مؤمن بالشرية وقد جعله الله عزّ وجل خير البرية،

ثم إن الله عزّ وجل بين جزاء المؤمنين العاملين فقال: جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: يوم القيامة جَنَّاتُ عَدْنٍ قال النسفي: أي: إقامة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قال ابن كثير: أي: بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بقبول أعمالهم. وقال ابن كثير ومقام رضاه عنهم أعلى مما أدركوه من النعيم المقيم وَرَضُوا عَنْهُ قال ابن كثير: بما منحهم من الفضل العميم ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ قال ابن كثير: أي: هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه. وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه. أقول:

دلت الكلمة الأخيرة على أن خشية الله عزّ وجل هي ذروة الأمر، وعلى أن بينها وبين الإيمان والعمل الصالح كمال اتصال، فمن خشي الله كان مؤمنا وعمل صالحا فالإيمان والعمل الصالح متلازمان مع خشية الله عزّ وجل.

[كلمة في السياق]

١ - بينت السورة أن الكافرين بأصنافهم كانوا سيستمرون على كفرهم أبدا، إلا إذا بعث الله رسولا، فبإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن تنقطع استمرارية الكفر. كفر أهل الكتاب، أو كفر المشركين، بشرط أن يكون رسولا ذا كتاب، وقد كان ذلك، وبعث الله الرسول وبدلا من أن يؤمن الجميع- وخاصة أهل الكتاب- لما في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطهارة والاستقامة، فإنهم تفرقوا بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، فمنهم من آمن ومنهم من كفر. مع أن مضمون الرسالة الجديدة لا يمكن أن يعترض عليه أحد؛ إذ هو دعوة إلى الإخلاص في العبادة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وذلك دين الملة المستقيمة التي تعلو عن أن تكون محل شك، وإذ اختار قسم كبير من أهل الكتاب والمشركين لأنفسهم طريق الكفر مع هذا كله، فقد بين الله عزّ وجل أن جزاء هؤلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>