لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أي ليدوم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز: أعزك الله. والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق من حيث إنه لا يدخله نقصان بدوام الملابسة، أو للإشعار بمرارة العذاب مع إيلامه، أو للتنبيه على شدة تأثيره من حيث إن القوة الذائقة أشد الحواس تأثيرا أو على سرايته للباطن، ولعل السر في تبديل الجلود- مع قدرته تعالى على إبقاء إدراك العذاب وذوقه بحال مع الاحتراق أو مع بقاء أبدانهم على حالها مصونة عنه- أن النفس ربما تتوهم زوال الإدراك ولا تستبعد كل الاستبعاد أن تكون مصونة عن التألم والعذاب صيانة بدنها عن الاحتراق قاله مولانا شيخ الإسلام، وقيل: السر في ذلك أن في النضج والتبديل نوع إياس لهم وتجديد حزن على حزن» اهـ كلام الألوسي.
أقول: وأنا أرجح القول الذي ذهب إليه النسفي وغيره وأثبتناه في صلب التفسير. وسنفصل في هذا الموضوع- إن شاء الله- عند قوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ (سورة ق).
[كلمة في السياق]
ابتدأ هذا المقطع بتحريم الصلاة في حالة السكر مبينا الحكمة في ذلك، ثم بصرنا بمواقف أهل الكتاب منا وحالهم، ثم بين جزاء الكافرين وجزاء المؤمنين، ثم أمر بأداء
الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل. فلنر صلة هذا المقطع بمحور السورة من البقرة:
قلنا إن محور سورة النساء هو الآيات الخمس بعد مقدمة سورة البقرة، ونلاحظ أن في الآيات الخمس قوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وفي هذا المقطع ذكر للصلاة وهي عبادة. وفي الآيات الخمس من البقرة قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وفي هذا المقطع نجد قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وفي الآيات الخمس من البقرة قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ونجد في المقطع قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.