ومجئ هذه الآية في وسط المقطع الذي موضوعه القتال يذكرنا بالغاية من القتال ويحضنا ويهيجنا عليه.
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ. أي: فما لكم اختلفتم في شأن قوم قد نافقوا ظاهرا، وتفرقتم فيهم فرقتين، وما لكم لم تقطعوا القول بكفرهم. هذا قول النسفي.
وروى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، فرجع ناس، خرجوا معه. فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين. فرقة تقول:
نقتلهم. وفرقة تقول: لا، فأنزل الله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة». وأخرجاه في الصحيحين. فالحكم فيهم القتل والمرجع في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن شاء قتل، وإلا ترك إذا وجد مصلحة؛ معاملة لهم بظواهرهم. وإذ كان كذلك فما كان ينبغي، ولا ينبغي أن يفترق المسلمون في الموقف. ومن هذا النص، نفهم أن مواقف المسلمين ينبغي أن تكون واحدة. وكيف لا تكون، والكتاب والسنة موجودان، والشورى مقررة، والقيادة على ضوء ذلك كله تتخذ القرار الملزم. وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أركس هنا بمعنى: أوقع، ورد، وأهلك، وأضل. أي: والله ردهم إلى حكم الكفار بسبب كسبهم السيئ الظاهري والباطني. فعاقبهم الله على ذلك، بردهم إلى الكفر. ومن ثم كان حكمهم جواز القتل. أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ.
أي: أتريدون أن تجعلوا من جملة المهتدين من جعله الله ضالا، فأركسه، وحكم بكفره، وأجاز قتله. وذلك باللين معهم ومسايرتهم. أو المعنى: أتريدون أن تسموهم مهتدين، وقد أظهر الله ضلالهم. فيكون النص إنكارا على وصف المنافقين بالمهتدين والمؤمنين بعد إذ تبين أمرهم. وعلى المعنى الأول: فالنص إنكار على من يريد أن يلين مع المنافقين بعد إذ تبين له نفاقهم الكامل. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا.
أي: ومن شاء الله إضلاله، بسبب عمله، فلا طريق له إلى الهدى، ولا مخلص له إليه، ويمكن أن يفهم النص فهما آخر. وهو: أن من شاء الله إضلاله، فلن تجد له طريقا ما. بل هو خابط في كل طريق، وعلى غير هدى، فليس له سبيل واضح.
ويكون هذا علامة على المنافق، فمن علاماته، تقلبه، وتناقضه. فهو اليوم على غير ما هو عليه بالأمس، وما يقوله الآن غير ما يقوله وما سيقوله.
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا. أي: ود هؤلاء المنافقون، لو تكفرون، كفرا مثل كفرهم. فهم يودون الضلالة للمسلمين، ليستووا هم، وإياهم فيها. دل هذا على ما ذكرناه سابقا، أن الفئة