ثم كرر النهي عن اتّخاذ الأيمان دخلا بينهم، تأكيدا عليهم وإظهارا لشناعة الفعل فقال وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها أي فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها وَتَذُوقُوا السُّوءَ في الدنيا قبل الآخرة بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي بصدودكم عن سبيل الله، وخروجكم من الدين، أو بصدكم غيركم، إما لاستنانه بكم، أو لرؤية الكافر فسادكم فيظنه فسادا في دينكم فيترك دين الله، حذّر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا لئلا تزل قدم بعد ثبوتها. وهذا مثل لمن كان محلّ الاستقامة فحاد عنها، وزلّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصدود عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين فانصدّ بسببه عن الدخول في الإسلام. ثم قال تعالى وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أي في الآخرة
وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أي لا تقاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها؛ فإنها قليلة، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خيرا له إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي ثواب الله وجزاؤه خير لمن رجاه، وآمن به، وألزم نفسه به، وحفظ عهده رجاء موعوده، ولهذا قال: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثم علل ذلك فقال:
ما عِنْدَكُمْ أي من أعراض الدنيا يَنْفَدُ أي يفرغ وينقضي فإنه إلى أجل معدود ومحصور متناه وَما عِنْدَ اللَّهِ من خزائن رحمته باقٍ أي لا ينفد أي وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع له فإنه دائم لا يحول ولا يزول وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على مشاق الإسلام أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هذا قسم منه تعالى مؤكّد أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم، أي ويتجاوز عن سيئها.
ثم وعد الله من آمن وعمل صالحا بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن فقال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً العمل الصالح: هو العمل الموافق لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى من بني آدم وَهُوَ مُؤْمِنٌ أي وقلبه مؤمن بالله ورسوله، شرط الإيمان، لأن أعمال الكفار غير معتد بها فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً أي في الدنيا قال
ابن كثير:(والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت). وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ أي في الآخرة بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
نقول:[من الظلال]
١ - [حول تفسير قوله تعالى وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ .. ]
قال صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ