للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صدفي الجبلين، وكل ذلك لا يصلح لأن يعتمد منه شئ في هذا الموضوع.

[الفوائد]

١ - [الإخبار عن قصة ذي القرنين في القرآن علامة على رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم عند أهل الكتاب]

مما ورد في أسباب النزول ندرك أن الإخبار عن قصة ذي القرنين يعتبر علامة عند أهل الكتاب على رسالة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ومن ثم فذكر القصة فيه إقامة حجة على أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول الله، وكون المسألة كذلك فهي إذا من الغوامض، فإن نجد في هذا المقام الكلام الكثير عن تفصيلات كثيرة مما له علاقة في الموضوع فهذا وحده يدلنا على أن أكثره من سقط القول، واختلاق القصّاصين، وخرافات أهل الكتاب التي ينبغي أن ننزه القرآن عن أن نذكر باطلها بجانب الحق فيه، وفي مقام من المقامات عند عرض هذه القصة قال ابن كثير: (وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم). فالبقاء عند ما يعطينا إياه النص، أو يكشفه لنا العلم الدقيق، هو الأولى في مثل هذه المقامات. فإنك تجد من الكلام المنقول عن أهل الكتاب، حتى من أسلم منهم ما لا يقبل التصديق من تأثرهم بما كانوا عليه. يذكر ابن كثير أن معاوية رضي الله عنه قال لكعب الأحبار منكرا عليه: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟

فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال:

وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ألا ترى أن استدلال كعب بالآية على هذه الفكرة يشكك في فهمه. وأستغفر الله من زلة لسان، إلا أن طرح هذه الأفكار وإلصاقها في القرآن والإسلام، من أكبر الجنايات على الإسلام فهي لا يطرحها إلا عدو للإسلام حاقد، أو صديق للإسلام جاهل. ونحن لا نرى في كعب الأحبار أكثر ما يراه ابن كثير. فلا يحملن أحد كلامنا الآنف على أنه طعن في إسلام كعب. قال ابن كثير بعد أن ذكر إنكار معاوية على كعب: (وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار، فإنّ معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلو عليه الكذب يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمّد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدّل، مصحّف، محرّف مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى شئ منها بالكلية؛ فإنه دخل منها على الناس شئ كثير، وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه، من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح، ولا مطابق، فإنه لا سبيل للبشر إلى شئ من ذلك).

<<  <  ج: ص:  >  >>