للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنهما أمّا العبادات البدنية والمالية، وهل المراد بأهله أمته كلها، لأن النبي أب لأمته، أو المراد بذلك أهل بيته فقط؟ قولان، والثاني أقوى. قال النسفي: (وفيه دليل على أنه لم يداهن). وصفه الله بالنبوة، والرسالة، وصدق الوعد، وأمر الأهل بالصلاة والزكاة، وتلك أمهات من الأخلاق العظيمة ثم قال وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا إذ اجتمع له جمال العمل وقبوله، والاجتباء والاصطفاء.

ذكرت هاتان الآيتان رسالة جديدة، ونبيا مبعوثا قائما بالعبودية لله، فهذا منتهى غاية كل رسول أن يكون عبدا لله.

وبعد أن ذكرت السورة من ذكرتهم من الرسل، ممن هم من ذرية إبراهيم، يأتي ذكر رسول قديم سابق في الزمان على إبراهيم ونوح: وَاذْكُرْ يا محمد فِي الْكِتابِ القرآن إِدْرِيسَ هو الذي يسميه أهل الكتاب أخنوخ، ويذكرون أنه أول مرسل بعد آدم عليه السلام إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وصفه بالصدّيقية والنبوة، كما وصف إبراهيم عليه السلام

وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال النسفي: هو شرف النبوة، الزلفى عند الله. ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد.

وبعد أن ذكر الله عزّ وجل هؤلاء الرسل عليهم السلام قال: أُولئِكَ إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وكل النبيين منعم عليهم وتخصيص هؤلاء بالذكر لا ينفي الإنعام على غيرهم، وإنما ذكرهم هنا وحدهم لحكمة يقتضيها سياق السورة ومكانها من القرآن عامة مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فكلهم من ذرية آدم وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وكل مذكور في هذه السورة منهم ما عدا إدريس وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ دخل في ذلك بشكل مباشر إسماعيل وإسحاق وَإِسْرائِيلَ هو يعقوب وهو ابن إسحاق، فهو من ذرية إبراهيم، ومن ذرية إسرائيل: موسى، وهارون، وزكريا، وعيسى، ويحيى وغيرهم وَمِمَّنْ هَدَيْنا أي للمحاسن وَاجْتَبَيْنا من الأنام كل هؤلاء إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا أي سقطوا على وجوههم ساجدين رغبة باكين رهبة، أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم؛ خضوعا واستكانة حمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة. والبكي جمع باك، وقد أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم. قال سفيان الثوري .... عن أبي معمر قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود فأين البكى يريد البكاء رواه ابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>